التعليم هو أساس نهضة الأمم ومنطلق التقدم الحضاري، لذلك تولي الشعوب المتقدمة التعليم أهمية كبيرة وتجعله في مقدمة أولوياتها.. فالدارسات العالمية تقول:إن 34 بالمائة من النمو الاقتصادي يتوقف على المعارف العلمية الجديدة؛ 16 بالمائة من النمو ناتج عن الاستثمار في الإنسان من خلال التعليم، أي أن 50 بالمائة من النمو الاقتصادي متوقف على التعليم بمفهومه الشامل، بمعنى أدق، ارتباط تحسن حالة الناس المعيشية طردياً بما لديهم من مستويات ومؤهلات تعليمية.
لقد حوّل رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد بلاده من دولة نامية ومتخلفة اقتصادياً واجتماعياً إلى دولة مقدمة اقتصادياً واجتماعياً خلال 20 سنة فقط؛ لأنه اهتم بالتعليم وجعله في مقدمة اهتماماته.
في بلادنا - اليمن – لا يزال التعليم دون المستوى المطلوب؛ فهو يعيش حالة تدهور عاماً بعد عام, والتقارير الرسمية لا تزال تقرع ناقوس الخطر؛ بسبب ارتفاع معدلات الأمية بشكل غير معقول، إذ وصلت نسبتها 49 بالمائة في الأوساط العمرية 10 - 45 عاماً، إضافة إلى أن هناك تسرباً كبيراً من المدارس الأساسية في المناطق الريفية والنائية، الأكثر من ذلك كله تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات، لدرجة أنه أصبح ثقافة عند الطالب اليمني وصار هو الأصل، وهذا كان له أثر سلبي كبير على مخرجات التعليم وجودته.
هذا التدهور الكبير الذي يعاني منه التعليم لم يأتِ من فراع وإنما كان له أسباب كثيرة , من هذا الأسباب كما يرى بعض المهتمين غياب السياسة التربوية الواضحة التي ترتكز على خطة استراتيجية مدروسة وغياب نظام المتابعة للمناهج وتقويم النشاط التربوي والتعرف على كفاءة الأداء ومدى فعاليته في تحقيق الأهداف وغياب دور مراكز البحوث والتخطيط التربوي وعدم وجود مراكز بحوث تربوية ونفسية كافية، إضافة إلى الافتقار إلى الكوادر المتخصصة في مجال التخطيط التربوي وعلوم المناهج, لكن بالمقابل هناك من يرى أن السبب الرئيسي لتدهور التعليم في اليمن هو بسبب إصابته بجرثومة خبيثة وخطيرة وهى «الحزبية»، حيث عملت هذه الجرثومة على إفرا غ المدارس من المدراء والمدرسين الأكفاء.
فالانتماء السياسي والولاء لحزب صار المعيار في التعيين لا الكفاءة والقدرة، هذا السلوك نخر التربية والتعليم، وأدى إلى انتشار الفساد وغياب الإرادة في معالجة الكثير من الظواهر السلبية وفي مقدمتها ظاهرة الغش.. هذه الجرثومة لم يقتصر خطرها على التعليم الأساسي والثانوي، بل تعدى إلى التعليم الجامعي, فالجامعات التي الأصل فيها أن تكون مؤسسات وطنية تقوم على معايير أكاديمية تحولت إلى أوكار للعمل الحزبي، صار التعيين فيها يقوم على أساس الولاء الحزبي، لدرجة أن رؤساء معظم الجامعات هم رؤساء فروع الحزب الحاكم، هذا كان له أثر سلبي كبير على مخرجات التعليم بل كان سبباً في هجرة الكثير من أصحاب المؤهلات التعليمية إلى دول الجوار بسبب سياسة التطفيش التي يقوم بها البعض تحت شعار : إذا لم تكن معي فأنت ضدي.
خلاصة القول الذي نريد أن نصل إليه في نهاية هذه العجالة أن التعليم لا يمكن أن يخرج من حالة التدهور الذي يعيشه إلا إذا تم التخلص من هذه الجرثومة الخبيثة بحيث يتم عزل المراهقين السياسيين وتسليم التعليم للتربويين وذوي الاختصاص وأصحاب الكفاءة بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والسياسية، وتوسيع آلية صنع القرار التربوي ليشمل جميع المستويات من المعلم إلى المدرسة حتى وزير التربية، وضرورة وجود الرقابة الشعبية على التعليم والاهتمام بالمعلم، باعتباره حجر الزاوية في العملية التعليمية والتربوية، هذا ما نتمناه من حكومة الوفاق الوطني ومن وزير التربية والتعليم الجديد.
تيسير السامعى
جرثومة التعليم 1785