لست ممن يؤمن بالجندر ولا ممن يروج له، وحين أدعا لفعاليات وندوات تؤصل له ازهد فيها كثيراً؛ ربما لأني قد اكتسبت مناعة ضد هذه الدعوة المفرغة المحتوى الهلامية الهدف، ولكني في المقابل ممن ينادي بحقوق المرأة التي لا تجعل واجباتها تكاليف مرهقة واضطهاداً يجب أن تتحرر منه.
كثيرة هي النساء التي يقطن الأرياف ومازالت تجلب الماء من أماكن بعيدة تجتاز الجبال والمرتفعات وهي تحمله على رأسها، و تقطع الأشجار بيديها التي اكتسبت من جذوع الأشجار خشونتها وشقوقها، وتخلق الحياة في الأرض البور وهي تنتظر هدية السماء لتتخلق حبوبها، و تموت في طريقها إلى المدينة وزوجها يبحث عن اقرب مستشفى لتلد فيه، وتحرم من حقها في التعليم، ومن حقها في اختيار شريك حياتها، وفي ذات الوقت تترأس النساء المثقفات والجندريات في المدن مؤتمراً صحفياً أو ندوة أو فعالية جندرية يتحدثن فيه عن الجندر وعن المساواة الشاذة بين الرجال والنساء، وخصلات من شعرها المصبوغ تتدلى على وجهها المحمل بألوان الطيف، سائق سيارتها الفارهة ينتظرها ورهن إشارتها، وفي ختام الفعالية أو الدورة التي تحدثت فيها عن كثير من مميزات الجندر والمساواة تتسلم شيكاً بمبلغ الآلاف من الدولارات لقاء خيالتها..
لكثرت ما كتبت في هذا الموضوع صارت لدي قناعة بأن هؤلاء النسوة اللواتي يعتبرن أنفسهن مثقفات وجندريات حد الرجولة، لسن أكثر من مسترزقات ومتاجرات بآلام النساء التعبات والمنهكات، فقط سؤال يجب أن يطرح على طاولاتهن أو على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهن، سؤلاً ليس بريئا البتة! أي كرسي في فعالياتكن حجزت لامرأة ريفية تفوح منها رائحة العرق وشيء من روث البقر أو التراب المعجون بعرقها؟؟ وأي فعالية أقيمت في الريف وكانت نجماتها تلك النسوة اللواتي لا يزال الفانوس هو ضوء صغارها الذي يجتمعون حوله في لياليهم الحالكة؟.
المرأة الريفية والمرأة التي تتحمل نتائج الحروب السياسية والمذهبية لا تفهم معنى الجندر ولم تسمع به ولم يؤخذ رأيها لتكون طرفاً فيه، وتزايد نظيراتها من النساء المثقفات والجندريات باسمها في كل المنابر..
فقط هي تحتاج الآن على الأقل لأن تجد صنبور ماء في بيتها، ومصباح نيون يضيء حجرتها الطينية، ومشفى قريباً يؤمن لها ولادة آمنة..
المرأة اليمنية تعاني الكثير من المشكلات والتي تحتاج فعلاً إلى حلول نهائياً، ولكن هذه الحلول يجب أن تقدم لها في بيئتها وفي منطقتها، وليس حبراً على ورق تتشدق به مجموعة نسوة أمام منظمات أجنبية لجني الأرباح والدولارات، وشراء السيارات والبيوت؛ لأن هذا في عرفنا القبلي وفي ديننا الإسلامي يسمى "عييييب أسود"..
gadanoor@hotmail.com