في سياق ردود الأفعال على إعلان بعض السلفيين عن تأسيس حزب سياسي، يذهب البعض إلى القول إن السلفيين انقلبوا على منهجهم وغيروا حسن أفكارهم ومبادئهم، فقد كانوا يحرمون الحزبية ويمنعون التعددية ويعتبرون الأحزاب نقمة على البلاد وتفرقة للعباد.
وتصل الأمور بالبعض إلى اعتبار الذين أعلنوا عن الحزب قد مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأنهم انقلبوا على أدبارهم وفرطوا بمبادئهم، والمشكلة أن هؤلاء الناقمين والشاتمين يختلفون اختلافاً كبيراً من غلاة الجرح والتجريح إلى غلاة اليسار والتهريج، بالإضافة إلى غيرهم من شيعة وحوثيين ومرتزقة وعلمانيين وبعض الصالحين والملتزمين والدعاة الذين رحبوا بالحزب الجديد على مضض وتعاملوا معه بقدر من الوصاية والاستعلاء وخطاب الذات والغرور، ومن ذلك القول بأنهم بدأوا من حيث انتهينا، واعترفوا بأنهم كانوا على خطأ فيما مضى وأن إعلان بعض السلفيين عن تأسيس حزب يعني صوابية الذين تقدموا في تأسيس حزب، وكأن الحزبية أصل والأحزاب سنة مستحبة.
وينسى هؤلاء وأولئك أن التعددية الحزبية والإقرار بالأحزاب مسألة خلافية وقضية اجتهادية تخضع للمصالح والمفاسد وتختلف باختلاف الزمان والمكان والحال والمال، والدليل على ذلك أن الإمام حسن البنا ـ رحمه الله ـ كان يحرم الحزبية وينكر تعدد الأحزاب، حيث يقول: إن الحزبية أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم وأتلفت أخلاقهم ومزقت روابطهم، وقال في موضع آخر إن الحزبية إذا جازت في بعض الظروف في بعض البلدان، فهي لا تجوز في كلها ولا تجوز في مصر أبداً.
والإمام البنا عندما حرم الحزبية لم يمنع المشاركة السياسية بل دعا لها وعمل بها، حيث كان يرى أن هناك فرقاً بين الحزبية والسياسة، وأن الإنسان يكون سياسياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى وهو لا يتصل بأحزاب ولا ينتمي إلى أي حزب.
وقد كان الإخوان المسلمون في اليمن يحرمون الحزبية بشدة وينكرون ويمنعون قيام الأحزاب وعملوا على تحريم الحزبية دستورياً كما كان معمولاً به في الدستور الدائم للجمهورية العربية اليمنية"، وكذلك كانت الحزبية محرمة في الميثاق الوطني الذي كان للإخوان إسهاماً كبيراً في تأليفه وإخراجه، واستمر الإخوان على مذهب التحريم للحزبية حتى قيام الوحدة اليمنية 1990م وإعلان التعددية، حيث ثم مراجعة المسألة ومناقشة القضية من جوانبها المختلفة وفي الأخير تم التوصل إلى ضرورة المشاركة السياسية وتأسيس حزب سياسي من منطلقات شرعية ومرجعية إسلامية ومرجعية فكرية وموازية بين المصالح والمفاسد، وكذلك فعل السلفيون الذين أسسوا حزباً سياسياً ولم يكن ذلك مفاجئاً وإنما مر الأمر في سلسلة من المراجعات الفكرية والنقاشات العملية والتحولات الواقعية ولله الأمر من قبل ومن بعد.
عبد الفتاح البتول
السلفية والحزبية!!مراجعة لا تراجع 2099