سيظل يوم الجمعة 18 مارس من العام 2011م، يوماً فارقاً في عمر الثورة اليمنية، كونه اليوم الذي يعده الكثير من الكتاب والمحللين السياسيين هو اليوم الذي سقط فيه نظام الرئيس السابق (علي صالح) وهو اليوم الذي لا يمكن للشعب اليمني عموماً والثوار في الساحات بشكل خاص أن ينسوا هذا اليوم لما له من دلالات عميقة، كونه كان العلامة الفارقة في تاريخ الثورة لما حصل للثورة بعد ذلك اليوم من تحولات عظيمة في تاريخ ثورتهم المباركة والتي منها:
*أولاً: التحول الكبير الذي حصل للثورة حيث تحولت من دائرة الفئوية (الشباب) والذين كانوا هم شعلة وقودها إلى فئة (العمومية)، حيث أصبحت ثورة الشعب بمختلف فئاته وشرائحه مما حصل للثورة الكثير من التعاطف والتأييد والانضمام والتي لم تكن قد وصلت إليه قبل ذلك اليوم، حيث انضم إلى الثورة بعد ذلك اليوم الكثير من أركان النظام من القيادات العسكرية والمدنية والسياسية والقبلية،والتي كان على رأس هؤلاء اللواء الركن علي محسن صالح الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية، قائد الفرقة الأولى مدرع والذي أعلن انضمامه في يوم الأحد 21مارس 2011م، والذي عزا سبب هذا الانضمام إلى ذهاب كافة الدلائل، إلا أن المخلوع صالح كان هو المخطط الشخصي لهذه الجريمة النكراء والتي سقط فيها 60 شهيد من خيرة شباب اليمن،والتي كان أغلب هؤلاء من حفظة كتاب الله والبالغ عددهم حوالي 25شاباً، وكذلك اللواء/ محمد علي محسن ـ قائد اللواء 310 واللواء/ محمد علي القشيبي، وغيرهم من القيادات الكبيرة في مؤسسات الدولة وأعضاء الحزب الحاكم في مختلف مواقعهم التنظيمية،والذي وصفهم المخلوع بأنهم يتساقطون كأوراق الخريف، حتى شعر النظام بعدها ببشاعة ما فعل، فسارع بعد تلك المجزرة إلى عقد مؤتمر صحفي مع وزير الداخلية السابق مطهر رشاد المصري (أحد المتهمين بتنفيذ تلك المجزرة), والذي قال أن القتلة هم من اصحاب المحلات المجاورة للاعتصام بسبب خلاف حدث بين المعتصمين وأهالي الحي وذلك بعد محاولة الشباب اقتحام البيوت المجاورة وذلك بعد سماعهم للخطبة التي هيجت مشاعر الشباب في الساحة على حد تعبير الوزير المصري، أما الرئيس السابق صالح فقد تحدث في ذلك المؤتمر الصحفي متهماً أهالي الحي كما هو حال وزير الداخلية،وأضاف كعادته بأنه قد وجه وزير الداخلية في التحقيق بتلك المجزرة، ثم سارع بعد ذلك إلى إعلان حالة الطوارئ، والتي لم تؤثر على مسار الثورة، بل قام الشباب في الساحات بإنزال كشف بأسماء أعضاء مجلس النواب المشاركين في حضور تلك الجلسة للتصويت على إقرار قانون حالة الطوارئ, كون من صوت على قانون الطوارئ من المساهمين والمشاركين في التحريض على قتل السباب في الساحات.
* ثانياً: المساندة القوية للثوار من قبل أهالي الحي, خصوصاً بعد اتهام الرئيس السابق صالح مع وزير داخليته لهم بأنهم من قاموا بتنفيذ تلك المجزرة بسبب خلاف حصل بينهم وبين الشباب المعتصمين على حد تعبيرهم, والتي جعلت أهالي الحي يعلنون انضمامهم وتأييدهم للثورة وحمايتهم للمعتصمين, وسارعوا إلى رفع دعوى قضائية للنائب العام ضد الرئيس السابق
صالح بسبب اتهامه لهم بتنفيذ تلك الجريمة، حيث أصبح الكثير من اهالي الحي يقومون بحماية المعتصمين، وإعطائهم وجبات التغذية، والمسارعة لإعطائهم الخل والبيبسي عند الهجوم عليهم من قبل بلاطجة النظام حتى أصبح أهالي الحي جزءاً لا يتجزأ من الساحة والمعتصمين..
* ثالثاً: سقوط العدد الكثير في تلك المجزرة،والذين كانوا من مختلف محافظات الجمهورية والتي عززت وبشكل كبير أن هذه الثورة هي ثورة الشعب اليمني بأكمله،شماله جنوبه، شبابه وشيوخه ورجاله ونسائه،حيث عززت هذه الثورة واحدية الشعب اليمني كون الشهداء الذين يسقطون في مختلف المحافظات، ينتمون إلى محافظات مختلفة من محافظات وطننا الحبيب، حيث كانت تختلط دماء الثوار بعضها ببعض، وهذا بحد ذاته دلالة عظيمة من دلالات الثورة بشكل عام ودلالة جمعة الكرامة بشكل خاص.
*رابعاً: إن هذه المجزرة قد اعطت الرئيس السابق وبلاطجتة درساً من دروس الشجاعة والكرامة التي يمتلكها الثوار, حيث قاموا بدور بطولي عظيم، تعجز اللسان عن وصفه والقلم عن رسمه حيث واجهوا الرصاص الحي وهم بصدور عارية بل قاموا بتحدي الرصاص ومواجهة القناصة والقيام بالقبض على بعضهم، والاعجب من ذلك هو صعودهم إلى أسطح العمارات والقبض على بعض القناصة كما ذكرنا، حيث سقط في إحدى العمارات حوالي خمسة شهداء من الشباب واحداً تلوا الاخر وهم يحاولون الصعود للقبض على بعض القناصة في سطح أحد المباني المجاورة للساحة,
لقد حاول الرئيس السابق من خلال هذه الجريمة بث الرعب في قلوب الشباب المعتصمين، كون أغلب الشباب المعتصمين كانوا من طلاب جامعة صنعاء، ظناً منه انهم سيخافون ويغادرون الساحة، لكن (تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن) فكانت هذه المجزرة هي الدرس التي أعطاها الثوار للمخلوع وبلاطجتة حول الشجاعة التي يمتلكونها، والاهداف التي يحملونها،والتي هي كبيرة بحجم هذا الوطن،حتى أصبح بعد تلك المجزرة لا يجرء أحد على الاقتراب من الساحة أو محاولة الاعتداء عليها.
بل مثلت تياراً سلبياً على الرئيس السابق ونظامه بكل المقاييس، فقد أراد إخماد صوت الثورة فارتفع صوتها ووصل إلى كل بيت وقرية وحارة وشارع، وأراد إطفاء وهجها فازداد وهجها وضياؤها,وأراد أن يخفف من حماسها وزخمها فازدادت حماسة وقوة وزخماً, وأراد أن يقتلعها ويبعدها عن الوصول إلى قصرة فأبعدته وقذفت به إلى مزبلة التاريخ، وأراد أن يخلي الساحة من المعتصمين فإزداد عددهم، وهكذا أراد للمعتصمين سوءً فجعل الله عليه دائرة السوء هو وبلاطجته.
وهكذا سيظل شهداء الكرامة بشكل خاص, وشهداء الثورة الشبابية بشكل عام في قلوب الثوار لا يمكن لهم أن ينسوهم أو يتناسوهم، كونهم الشعلة التي أوقدت الثورة وهم الأبطال الذين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الدفاع عن هذه الوطن الذي اغتصبه الرئيس السابق
منذ 3 عقود، فالدماء التي سالت منهم هي التي أروت شجرة الحرية التي أوشك الشعب اليمني على قطف ثمارها بإذن الله، لأن الحرية كالشجرة لا تنمو إلا بدماء الشهداء.
ختاما : شهداؤنا لن ننساكم، والسفاحون سينالون الجزاء، وإن طال الزمن وليس ذلك على الله بعزيز،رحمكم الله وأخلف علينا بخير وجعلكم في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، أيها الشهداء الأبطال, أيها الأخيار ستسرون لأنكم ستشاهدون من عليين أهدافكم تتحقق وقاتليكم يحاكمون بإذن الله، ستسرون لأنكم عند ملك عظيم كريم، ومجاورين لخير خلق الله أجمعين إمام المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأكرمين.. أيها الشهداء طريقكم فلاح ونجاح وخير الدنيا والآخرة..رحمكم الله وأثابكم الله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ياسر الجابري
جمعة الكرامة...والسقوط الفعلي للنظام 2069