سقطت أنظمة كما سقطت زعامات وسقطت قيم وأخلاق، سقطت أشرعة الظلم،فصرنا نعد خرافنا,الواحد تلو الآخر.
على ذات العادة يقتل العربى, العربى, والمسلم, المسلم، فقدنا وجهات الكبار, فتمرد الصغار في عالم تختلط الصور، الواحد منا يعيش اليوم في عالم بلاقيم عالم الانحطاط العربي، رقد الحكام, والتجار, والمثقفون والنخب ورجال الدين، وغطوا في سبات عميق في غياهب السلطات المتداعية، ظلموا فظ’لِِِموا، شهدناهم يفرون, ويشنقون, ويمثل بهم, ويقتلون, ويحاكمون، رأيناهم يذلون ويهانون وتتشرد عائلاتهم بلا ملاذ حقيقي سوى عار التاريخ وانتقام البشر، ورأينا الشوارع, والبيوت, والمدن يتنازعها السلاح, والدم, والقتل, والفوضى، والدمار,والسطو..والضياع. لم نرّ انجازات كبرى,ولا قادة كبار، لم ننظر للمستقبل,بل إلتفتنا إلى الماضي, وكل يلوح بأفكاره القديمة وعقائده الصدئة من أجل ذلك المستقبل الغامض، صار الطفل يطلق صيحته,والعجوز,والمشرد,والفقير,والشاب، صراخ ضد الظلم والجور,صراخ يطالب بإسقاط أنظمة الحكم.صراخ لا يهتف لأحد موحد، صار الشباب يصرخ هازئاً في وجه من هو ليس من أجله، قتل الأب الحديدي، ويطلق الظن بأنه أنجز ما عجز عنه غيره!.
كثر القتلى,والجرحى,والمشوهون والمشردون واللاجئون والباحثون عن خلاص في ليل زادت حلكته.
ضاع أمان مدن كثيرة، ورأينا قادة يحاربون قادة,ويتآمرون على بعضهم البعض,وكأننا في قبائل العصور الحجرية.رأينا إسلاما يوظف ويستخدم ويختطف:جحافل القاعدة وسلطوية السلفية وتنظيمات المسلمين وكل يزحف دون هوادة نحو ما يستطيع خالقا تحالفاته المرئية وغير المرئية وموظفاً إمكانياته حتى مع بعض أعداءه من أجل سلطة الحكم السياسي المقبل.
رأينا أموالاً تصرف, وحروباً تشن وتمول,وثوار لا نعرف لهم ميدان, وغرب يتدخل ويوجه, ودول تضع المبادرات واختلاط أوراق لا نعرف فيها الصديق من العدو!.
هناك انهيار, ونسمع عن مشاريع تفتيت وتقسيم وقدر له وانفصال رأيناه قريباً في السودان ونوشك أن نراه هنا في اليمن،ونسمع عن ما يراد للبقية من فتات موائد يدعون إليها باسم وحدة الشعوب أو حقوقها السياسية والقومية والطائفية، تصيبنا الدهشة غير أننا لا ندفع ذلك.
ويصيبنا الانبهار،والانشغال والانهماك,والتيه في المواقف، الانتظار الذي يأخذنا إلى التفكك, والانقضاض الذي يجسد التفكيك، يلهو خصومنا التاريخيون معنا في الساحات ونرقص معهم على أشلاءنا ونكتشف ونكتشف ضعفنا وسخف عقولنا وهشاشة علاقاتنا الاجتماعية... ليس هناك من يحمينا أو يثق في الاحتما بنا, ونحن لا نستطيع أن نحمى أنفسنا من أنفسنا, ولا الأوطان حين تتفتت بفعل إرادتها المتوهمة أو إرادة الآخرين، لا سياسيين ولا أدبا, ولا شعراء,ولا منظرين.
لا إيديولوجيات,ولا يسار ولا يمين، فقط انهيار تلو انهيار، احتدت الفتن وظهر دجالو المذاهب والأحزاب .
نسمع كلمة ديمقراطية فنرى غليان أسلحتنا، نرددها كالببغاوات,وندفع ثمنها فادحا بعد أن نسقط الأساسات التي بنيناها في القرن العشرين ونحاول أن نكملها في القرن الواحد والعشرين ونكتشف في آخر نهار كل يوم بأننا كنا نخرب،ونكتشف بعد كل هذه العصور أن الجيوش التي أعددناها تحتاج إلى هيكلة..ولم يعد ينقصها شيء أكثر من الهيكلة وحكام وشعوب.
نخب ثقافية وسياسية واجتماعية نفتقدها.يموت الكثير ممن أسسوا للأفكار فندفنها معهم ونعود لأميتنا راضين وغير مرضيين، نشكك في أصولنا وإنسابنا وقبائلنا, وبعضنا يرفضها، شوهنا تاريخنا وجلبنا العار لمجتمعاتنا ولم نفهم بعد..
يفقد الحكام هيبتهم وتفقد الشعوب سلطتها ونصبح مخترقين من كل الجهات، فماذا نريد؟!.
لا ننتظر نبياً، لأن زمن الأنبياء إنتهى منذ زمن سحيق على هذه الأرض. نشهد الانهيارات الأخلاقية قبل الاقتصادية والسياسية لنكتشف أن الإنسانية تفرغ من مضامينها وعمقها ومنجزها لتتحول إلى غابات وحشية أو حيوانية وخرائب غير بشرية تحكم بالسلاح والنار والحروب والفوضى. نحن جزء من هذا العالم. امة بلا بلا أخلاق. بلا مواعيد وبلا برامج أمة عشوائية. مازلنا بحاجة لمن يعلمنا الفنون والموسيقى ويعلمنا الصراحة والصدق والدين .
نحتاج إلى من يذكرنا بمفردات العدالة والجمال والحياة، الرحمة والتكافل والنزاهة والشفافية وقيمة الإنسان، نحتاج إلى معاني تحترم الخالق وما أبدعه في المخلوق، تحترم أصل الأشياء,الطبيعة والإنسان والكائنات، نحتاج إلى علاقات لائحتكم للمصلحة الفردية، نحتاج إلى مزرعة للحب وتربية العطف والحنان والشفقة واستعادة نبل الإنسان.
نحتاج أن نتقاسم ما نملك، نحتاج إلى لغة تخرج من قاموس الفوضى والمصطلحات الجاهزة التي تحولنا إلى أرقام.
نحتاج أن نشحن الألفاظ بمعانيها في بيئتنا العربية,التي تتفتت بالقسوة والظلم والمؤامرات والحروب والانتفاضات والثورات، بيئتنا العربية: سوق السلاح والجثث والموت والرماد والشكوك ومناقصات القتل وتخريب البيوت، وما أصعب أن نكتشف بعد كل هذا بأننا مازلنا بحاجة إلى وطن.
حافظ الشجيفي
عالم الانحطاط 2022