كنا نريد من الشعبي العام أن تكون مبادرته إقامة ندوات تقف على واقع التنظيم وكيفية الانتقال به إلى مستوى الفعل الخلاق من خلال نقد الذات المؤتمرية لتجاوز السلبي واستحضار الإيجابي وتعزيزه، وأن يكون له برنامج عمل يسهم في تشوف المستقبل والوقوف على المتاح والممكن بهدف تسخيره في عملية البناء إسهاماً من التنظيم في تقديم رؤية منهجية تحقق مستوى طيب في العمل على إيجاد تحولات نهضوية ترفد العمل المؤسسي في الدولة بما يعينه على تحقيق مستوى من التطور المبني على المنهجية والتخطيط السليم، وكنا سنقف بتقدير بالغ أمام هذه الخطوة الريادية التي تؤكد معنى الرائد الذي لا يكذب أهله.. وأعني بذلك الشعبي العام، وكنا نريد أيضاً أن نجد قيادة مؤتمرية تعمل بانضباطية عالية في الدفع بوتيرة العملية الديمقراطية إلى الأمام من خلال برنامج عمل ينجز متطلبات وئام وسلام حقيقي، كون الوطن في أمس الحاجة إلى تجاوز أواقع الانقسام وحالة الاحتقان التي باتت تعرقل مسار التطور الذي يرغب فيه كل أبناء الوطن.. هذا ما كان مؤملاً له أن يتم لندرك أننا أمام قيادة مؤتمرية حصيفة وفاعلة وملتزمة أخلاقياً وسياسياً ووطنياً في العمل على تأكيد الشراكة الوطنية بروح مثابرة تؤمن بالغد وترى إلى أهمية تعويض الوطن زمناً غير قصير عاشه في الفساد واحتكار السلطة وإقصاء المثقف النخبوي من الإسهام في العطاء الفكري والعملي الملبي لتطلعات كل اليمانيين، كان هذا وأكثر ما نرجوه ويريده الوطن ،التسامي على الجراحات وفتح نافذة حياة تعبر عن الأمل والإصرار في البناء والتنمية وإبراز الصورة الصادقة والحضارية في التداول السلمي للسلطة، دونما تهديد ووعيد وبحث عن إعاقة لعملية التغيير والانتقام من وطن بحجة الكشف عن الربيع العربي وخباياه في العمالة والارتهان، واستيراد الألم الغير مبرر، إلا أنه تعبير عن نزوع للعنف ومحاولة لخلق مناخات خصومة متعددة الأوجه، بحجة الكشف والمكاشفة وهو ما أطلقه علي عبدالله صالح في كلمته الأخيرة التي جعلت الكثير ممن تابعها يتألم من دعوة لا تناسب المرحلة قدر ما تزيد الأجواء توتراً يكون الوطن خاسراً وحده، ويندهش المتابع لهذا الكلام المعبر عن مستوى من التأزيم ليس له معنى سوى أنه مبني على ردود فعل انتقامية باعتبار أننا نرى إلى الكلمة في مبناها الظاهر ومعناها الخفي، تذهب إلى تقسيم القوى الوطنية إلى قسمين: 1- الداعون للتغيير وهم قوى ارتهانية معبر عنها بثورة البلاطجة وثورة التخلف، 2- وقسم آخر وهو المنتصر المعبر عنه في تحالفاته مع قيادة الشعبي العام، وبكل تأكيد إن البحث عن مهزوم ومنتصر من جديد يعيد الوطن للمربع الأول الذي لا يستقيم مطلقاً مع ما يدعو إليه الشعبي العام من بناء وتنمية، والواقع أن هذه الانفعالية التي بلغت ذروتها في كلمة رئيس المؤتمر تذهب في تداعياتها إلى المزيد من الألم وتدعو القوى الوطنية إلى العودة من جديد للتحفز في خوض غمار قادم لا ينبئ بخير مطلقاً، وربما أن ذلك يؤكد ما قاله علي عبدالله صالح في خطاب سابق من أنه سينحو بالمؤتمر لأن يكون معارضاً على طول الخط ومصدر تأزيم.. ويبدو أن الكلمة الأخيرة تدشن مرحلة عنف بكل تأكيد لا نريدها ولا نرجوها وليست من الحكمة مطلقاً فتح الدفاتر القديمة، ولدى النظام السابق الكثير مما يمكن قوله عنه، وكشفه بيسر وسهولة، ولا يوجد من يقف من هذه القوى أمام الشرعية الدستورية والشعبية لعبدربه منصور الرئيس التوافقي كما ذهبت إليه الكلمة، وإذاً ما مبرر القول إن عليهم أن ينصاعوا للشرعية الدستورية وكأن ثمة من يتمرد وهم أحزاب المشترك، وفي ظننا أن لغة المجازفة والمناكفة والتعطيل للمسيرة لم تعد تجدي مطلقاً أمام مشهد دولي حافل بالتأييد والمباركة المنقطعة النظير للرئيس التوافقي، ولوجود ضمانات كبيرة لأن يكون اليمن في منأى عن الاحتراب والعنف والصراع..
وهنا لابد من التأكيد أن على قيادة الشعبي العام أن تدرك أنها ليست في أجواء صحية تساعدها على الإقصاء ولغة الاتهام، وأن ثمة رقابة دولية وبيتاً أممياً معنياً باليمن مستقر ونامي، على هذا الأساس أدعو مخلصاً وجاداً قيادة المؤتمر أن تحفل بالشراكة الوطنية والبناء والتنمية، وتتخلى عن الرغبة في الانتقام والمناكفة وعرقلة مسيرة العالم يريدها ازدهاراً وسلاماً، وإذاً لا مجال لأي تفكير ينحو باتجاه صناعة الأزمات، ولا يهمنا الربيع العربي ومكاشفة حقيقته ومخططاته، ولا نهتم بتقريع قطر ولومها أنها لم تقدم 500 مليون دولار لكهربة الوطن، ففي الأخير ليست مجبرة على ذلك وليس من مهمتها تلبية حاجياتنا كما نريد، ونحن نتألم أن النظام السابق لم يف بتعهداته وما جاء في برنامجه الانتخابي إلى الرئاسة بإنشاء كهرباء توليدية بالطاقة النووية، إذاً كانت المسألة تذكر من وفى ومن لم يفي، غير أن ما نلقي له بالاً اليوم هو نحن: كيف نتجاوز المؤلم ونقيم علاقة تصالح مع الذات أولاً قبل الآخر؟ وأن نفكر سوياً في إنجاز متطلبات المرحلة القادمة والخروج من واقع معاناة كبير ممتلئ بالمظالم والفساد والتناحر والتمترس، من حراك انفصالي إلى حوثية وجنوب عانى الظلم حد الذهول، وهو اليوم ينتظر ما الذي يمكن العمل من أجله؟، وفي كل الأحوال هناك تاريخ وطني لابد أن يؤرخ له بنزاهة وقوة انتماء إلى الوطن لا يقدر أحد أن يأتي على تزويره أو مغالطة الحقائق والإدعاء بأن الوطنية لدى طرف دون آخر، ولابد أيضاً أن يقف المؤرخون على المرحلة بكل ما فيها إن سلباً أو إيجاباً، والمهم في كل هذا أن البقاء في تعطيل المسيرة الوطنية الصاعدة إنما هو نوع من الحمق وارتكاب خطأ غير عادي لن يسمح به على الأقل المجتمع الدولي، ناهيك عن الجماهير التي برهنت عن توقها إلى التغيير في 21 فبراير المنصرم، هذا التوق سيبرهن عن وجوده في سياق الرفض لكل ما هو تأزيمي ماحق، وهنا أدعو النظام السابق إلى التخلي عن متواليات الألم وتصديره وإيجاد إيقاع غير منضبط والانتقال بالشعبي العام إلى قوة وطنية قادرة على الإسهام في عملية البناء والتقدم بدلاً من جعله تنظيماً يعبر عن نوازع قيادات وأفراد ويعبر عن مصالح ذاتية وأهواء، فثمة قوى دولية لا تريد هذا الاستهداف وبلا شك ترقب كل هذه التداعيات وقادرة على إفشالها ولجمها، سواء كان هذا المتغير ربيعاً أم شتاءً، فالمهم أنه لابد من الوعي بالقادم وأن السابق كنظام قد أفل نجمه، وليس له غير مباركة التحولات وإدراك مقدار المكاسب التي حصل عليها من خلال الحصانة التي توشك أن تتلاشى إذا ما مضى الشعبي العام يبحث عن مفترق طرق وتمزيق وانتقام، إن كل ذلك ليس له وجود سوى في المخيلة فقط ومن يدفع بهذا الاتجاه إنما يعبر عن مغالطات ووهم كبيرين، وإذاً لابد من مراجعة للخطاب المؤتمري وإلى تجاوز السلبي، ولا يمكن في كل الأحوال، أن نفهم دعوة الجندي - الناطق باسم الشعبي العام- لوسائل الإعلام أن تعمل على التهدئة وعدم الانجرار إلى تأزيم الأوضاع وفي ذات الوقت نجد العكس لدى قيادة الشعبي العام.. إن هذا المريب لا يخلق أجواء ثقة ويدعو إلى توتير أجواء يخسر فيها الشعبي العام، خاصة إذا ما أدركنا أين يقف المجتمع الدولي؟ وماذا يريد؟.
mallawzy@hotmail.com
محمد اللوزي
قيادة في أجواء غير صحية 1771