في عدن الثورة والحرية يُحكى أن امرأة من العامة كانت أيام الاحتلال البريطاني تخفي المنشورات للثوار والمتفجرات (القنابل)، لعناصر جبهة التحرير إبان مرحلة الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني لعدن، وبعد الاستقلال وبعد ما آل الأمر واستتب للجبهة القومية وأثناء صراع الأجنحة مابين يمين ويسار الجبهة القومية.. يحكى أن لهذه المرأة دوراً في تسهيل تحرك عناصر أحد التيارين المتنازعين على قيادة الجبهة والدولة، ووصلت تلك العناصر إلى قمة هرم الحكم في دولة الجنوب اليمني، لم تكن تلك المرأة تبتغي جزاءً أو شكوراً، فقد عملت كل ذلك من منطلق الشعور بالمسؤولية الوطنية، و لم تجنِ شيئاً من نضالها، بل كادت أن تخسر أحد أبنائها وزوجها في إحدى الصراعات الدامية على الحكم في عاصمة دولة الجنوب (عدن)، وماتت تلك المرأة في عام 1/1/2000م.
هذه هي المرأة العدنية باعتبار أن عدن وطن لكل من يسكنها أياً كان دينه أو جنسه أو لغته أو لونه، ففي عدن تذوب الفوارق والاختلافات وينصهر الجميع في بوتقة واحدة أو سميها إن شئت جنسية عالمية كونية اسمها عدن.
واستدار الزمان وفي ثورة الشعب اليمني العظيم ضد نظام حكم الرئيس السابق في عام 2011م، كان لابنتها الكبرى دور لا يقل عن دور الأم في الثورة ضد الاحتلال البريطاني، فقد قامت البنت الثائرة الحرة بصنع الطعام لشباب الثورة المعتصمين في إحدى ساحات الحرية والتغيير في عدن الباسلة، كما وفرت دعماً لوجستياً في بيتها المتواضع جداً، وفي يوم من الأيام وبينما هي تصنع الطعام انزلقت رجلاها بزيت الطبخ ووقعت على الأرض، ولكنها أبت إلا أن تكمل صنع الطعام للشباب المعتصمين، ولولا كبر سنها لكانت تلك الثائرة الحرة في مقدمة المسيرات والمعتصمات في الساحات.
وفي يوم 21 فبراير المشهود في اليمن عموماً وفي عدن خصوصاً خرجت تلك الثائرة الحرة باحثة عن مركز انتخابي لتدلي بصوتها لصالح التوافق الوطني وليس لشخص الرئيس التوافقي، فهي ستعطي صوتها لعبد ربه منصور هادي رئيساً للجمهورية، ومحمد سالم باسندوة رئيساً للوزراء، وستبصم بإبهامها ليمن جديد ومرحلة انتقالية لإخراج اليمن من النفق المظلم الذي أدخلها إياه النظام السابق، وكذلك ستدوس بقدميها على أكثر من عقدين من عمرها قضتها تحت حكم علي عبدالله صالح، وذلك على اعتبار أن صالح أصبح رئيساً لعموم اليمن في عام 1990م،
لكنها لم تجد ما سعت إليه في وقت ارتفع صوت لعلعات الرصاص في كل مكان، الشارع مغلق بنيرات الإطارات المشتعلة والمركز الانتخابي الذي على مقربة من بيتها مغلق، والمركز الأخر الأبعد وجدت الصناديق والبطائق الانتخابية فيه تحترق،كل ذلك صنيعة من يدعون حب عدن، وهي بريئة من حبهم لها، فقد عانت عدن الكثير من تلك الشعوب والقبائل التي تناحرت في شوارعها وأزقتها.
لقد عاشت الأم وماتت دون أن تجد شهادة تقديرية عن دورها النضالي أو حتى "إهانة" مناضلين حرب التحرير ـ عفواً أقصد (إعانة) مناضلين حرب التحرير، هذا ناهيك عن الأوسمة والنياشين التي وزعت يمنة ويسرة لمن يستحق ومن لا يستحق وليس له صلة بدروب النضال الحقيقية. وهكذا سارت ابنتها من بعدها على هذا الدرب لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا، وحتى الساحة التي عرفت جيداً طعام من صنع يد تلك الثائرة الحرة نستها أو تناستها ضمن أنشطتها التكريمية واقتصرت على تكريم من يمتلك حنجرة جهورية وصوت عالٍ متناسين الجنود المجهولين.. هكذا هي ديدان الثورات يبقى الجنود المجهولون مجهولين.
نزار بن معدان
سلمت رجلاك أيتها الثائرة الحرة 2198