نتيجة لشح القروض المقدمة من قبل البنوك الأوروبية أجبرت الشركات على البحث عن خيارات أخرى للتمويل، هذه الشركات تعتمد أصلاً على البنوك لتوفير احتياجاتها التمويلية، إلا أن ذلك يختلف كثيراً مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة، حيث يتميز سوق سندات الشركات بالكثير من النشاط، فخلال عام 2011م باعت الشركات الأميركية "524" مليار دولار من الديون مقابل نحو "380" مليار دولار في أوروبا.. الشركات الأوروبية تسعى باستمرار للحصول على تمويلات من سوق السندات، مدفوعة بأوامر تنظيمية تستوجب توفير زيادة في رؤوس الأموال في البنوك، الأمر الذي زاد من صعوبة الحصول على القروض، وفي الوقت الذي عمدت البنوك إلى تشديد شروط الإقراض، فإن شح القروض دفع الشركات للبحث عن التمويل من خلال السندات، وما يلقي الضوء على عملية التحول هذه سندات الشركات غير الاستثمارية المقومة باليورو والتي تم بيعها خلال العام الحالي بأكثر من "18" مليار يورو و".35.58" مليار دولار مقارنة بنحو "18" مليار يورو في أول شهرين من عام 2011م، وتعتبر هذه أكثر البدايات نشاطاً منذ 2009م، وفي المقابل تراجع حجم قروض الشركات في مختلف أرجاء العالم لأدنى مستويات له منذ عام 2003م، ورغم أن تراجع معدل الإقراض في البنوك الأوروبية كان من العوامل الرئيسية وراء التحول نحو سوق السندات، فإن بعض المحللين يرون أن طلب المستثمرين لعب دوراً مهماً في ذلك، بينما من المرجح أن تساعد سندات الشركات على إنعاش الركود الذي لازم تمويل الاستثمارات الراسخة.
لا يزال السؤال يدور حول إمكانية استفادة الشركات الصغيرة من مثل هذا النوع من الأسواق، وربما نتوقف بعض المؤسسات عند القيود القانونية التي ينبغي عليها تجاوزها لتكون قادرة على بيع السندات مقارنة مع الحصول على القروض البنكية، كما أنه من الممكن أن لا يكون لدى بعضها الرسوم الكافية للدخول إلى أسواق السندات أو ربما تخسر السوق تماماً نتيجة المخاوف المتعلقة بمخاطر الديون السيادية أو بحالة الاقتصاد، وربما يمثل ذلك أكبر الفروق بين سوق السندات الأميركية والأوروبية، حيث تظل السوق الأميركية مفتوحة على الدوام، بينما من الممكن أن تغلق الأوروبية أبوابها لأقل المخاطر في وجه الجميع عدا تلك الجهات التي تصدر سندات بأسعار مرتفعة.. وللمقارنة فإن السوق الأميركية ظلت نشطة لعدة عقود، بينما لم يتعد عمر السوق الأوروبية سوى عقدين من الزمان، الأمر الذي يعني أنها لا تزال صغيرة وأمامها الكثير من العقبات لتخطيها، ومن الممكن أن تصبح سوق السندات بالنسبة للشركات التي تصدر سندات بقيم متدنية، أكثر أهمية خاصة عندما تقلص البنوك من ميزانياتها.
لكن على هذه الشركات أن تتعلق بأمل عدم اختفاء شهية الدخول في المخاطر، حتى لا يتم عزلها من السوق في حالة حدوث ذلك، ويبقى الانتظار لحين معرفة ما إذا كان ضمن برنامج البنك المركزي الأوروبي تقديم قروض للبنوك مدتها 3 سنوات بأسعار فائدة منخفضة فيما يعرف بعملية إعادة التمويل طويلة الأجل، يشجع البنوك على زيادة معدل الإقراض للشركات الصغيرة أولاً وتبلغ قيمة قروض السندات التي قدمتها البنوك الأوروبية للشركات نحو "884" مليار دولار عام 2011م.. وبالوتيرة التي يسير عليها معدل الاقراض الحالي حتى الآن، من المتوقع أن يصل الإجمالي لأقل من نصف عام 2011م، وضخ البنك المركزي الأوروبي ما يقارب نصف تريليون يورو في النظام المصرفي في عملية إعادة التمويل طويلة الأجل في نهاية العام الماضي، ومن المنتظر أن يقدم جولة أخرى من القروض نهاية شهر مارس، وهناك زيادة كبيرة في عدد المؤسسات المالية التي تضع قيوداً أمام المقترضين نظراً إلى مواجهة البنوك نفسها لصعوبات الحصول على الأموال ولضغوطات المنضمين بغرض تقليل المخاطر.
وبعض المحللين يتوقعون أن ينهار الائتمان مرة أخرى في منطقة اليورو ويعود إلى دائرة الركود مرة أخرى، وتدل المؤشرات على انتشار مشاكل غرب أوروبا في اقتصادات دول شرق أوروبا النامية.. ووسع البنك المركزي من حجم القروض المقدمة لبنوك منطقة اليورو وبنحو "489" مليار يورو "643" مليار دولار بفائدة قدرها 1% فقط لمدة ثلاثة أعوام، بينما لم تتجاوز فتراته السابقة سنة واحدة، وكان الهدف من هذه القروض تخفيف الآثار الناجمة عن أزمة الديون السيادية في القارة، ومن المنتظر أن يقدم البنك جولة أخرى من القروض في بادرة يتوقع المحللون أن تحول دون وقوع أزمة الائتمان، وقد عملت البنوك على تقليص القروض للأعمال التجارية وللأفراد على حد سواء، ومن بين البنوك التي شملها تقرير خاص، ذكرت "35 % منها أنها تضع قيوداً صارمة أمام قروض الأعمال التجارية، مقارنة مع 16% في الربع السابق، كما أصبحت البنوك أكثر إحجاماً في تقديم قروض الرهن العقاري، مع توقعاتها في أن يواجه الائتمان شحاً كبيراً في الفترة القادمة".
هامش:
1. الاتحاد الاقتصادي 29/2/2012.
2. الاتحاد الاقتصادي 28/2/2012.
3. الاتحاد الاقتصادي 27/2/2012.
د.علي الفقيه
الشركات الأوروبية تتجه نحو سوق السندات بفعل شح الائتمان 2112