أسأل عبده الجندي المتحدث الأسبق باسم الرئيس الأسبق ونظامه: ما هي صفته اليوم؟ وما صلة مؤتمراته الصحافية بحكومة الوفاق أو الرئيس الجديد عبد ربه منصور؟.. في الأمس كانت إطلالته كنائب للوزير حسن اللوزي ومن خلال قناة اليمن الرسمية وأخواتها من الرضاعة، إما اليوم فيبدو متحدثاً عن جمهورية الصالح وشركائه وأقربائه الذين مازالوا ينافحون ويدافعون من أجل بقاء واستمرار جمهورية العائلة ولو على مساحة إقطاعيات في الجيش والأمن والإعلام والحكومة والأحزاب والمؤسسات والهيئات العامة والخاصة؟.
النائب عبده ربما أنه اعتاد الظهور وأمامه زحام شديد لميكرفونات قنوات الفضاء وعدسات الكاميرا، لذا فكما يقال "قطع العادة عداوة" والرجل مسكين ولا توجد لديه شغله غير بيع الكلام السخيف والعبثي وعلى هذه الشاكلة الممجوجة والمبتذلة والمهينة لمهنة الصحافة ولرسالتها الجليلة ولضوابطها الأخلاقية والمهنية.
لذا عاد ثانية وسيعود ثالثة ورابعة ما بقي بلا وظيفة أو دور يؤديه وما بقي هناك من يدفع وينفق ويصغي وينقل لهذه الترهات (المؤتمرات) الخارجة عن التقاليد والأعراف والضوابط المنظمة لمثل هكذا مؤتمرات صحافية يراد بها توضيح الحقائق للرأي العام الداخلي والخارجي أو نقل وإيصال المعلومة والموقف من مجمل الأحداث والقضايا الوطنية والسياسية والدولية.
قبل سنوات حكى لي صديقي مجلي قصته مع الميكرفون والجماهير، إذ كان قد اعتاد الظهور في كافة المهرجانات والفعاليات الجماهيرية كمقدم لهذه الاحتفالات، لسنوات وصوته يجلجل ويدوي في الساحات وفي المؤتمرات بل وفي الشوارع والطرقات وفي الأفراح والأتراح، لقد أدمن الرجل إمساك سماعة الميكرفون بيده ولدرجة أصابته بالهوس الولعي الذهني، وفجأة ودون مقدمات وجد ذاته بلا وظيفة وملازماً منزله وأسرته الصغيرة في القرية، فمذ كارثة حرب 94م وصاحبي مجلي إذا ما غادر بيته؛ فإلى المسجد أو الدكان، وبمضي الأيام ساءت حالته ولحد باتت حياته لا تطاق، لم يجد ما يبدد كآبته وغصته غير أنه وكلما انتابه الحنين للميكرفون جمع كافة أفراد عائلته وجلس يخطب فيهم: (أيتها الجماهير الغفيرة، يا أبطال سبتمبر وأكتوبر، سنصمد ونقاوم ولن نستسلم، النصر لنا والخزي والعار للجبناء) وقبل أن ينهي كلمته يضرب بيده على الطاولة وكأنه المجنون القذافي؛ فيبادله أولاده وزوجته بالتصفيق والهتاف للحظات ومن ثم يمضي كل واحد منهم لسبيله.
الفارق بين صاحبي مجلي ونائب الوزير عبده فشفشي مسافة السماء بالأرض، فالأول لم ينتحل صفة الدجال والكذاب والمنافق والدوشان مثلما هو حال الثاني، كما أن الموظف الغلبان كان صبوراً وقنوعاً ولديه من الكبرياء والمبادئ والاحترام لمهنته ووظيفته ما يتفوق به على الجندي أو سواه من المطبلين والمنافقين الذين امتهنوا الإساءة والبذاءة وقلة احترامهم لذاتهم ووظيفتهم.
حال صديقي أنه لم يحتمل حنينه وشوقه لصوت الميكرفون ؛ فكان فعله وضرره لا يتعدى جدران منزله المتواضع ومسامع صغاره وزوجته، أما العم عبده فإن فعله وهوسه بلغ منتهى الفداحة والعقاب والوقاحة، فهل هنالك ما هو أسوأ من رؤية الجندي الناصري القومي وقد عاد ثانية كي يؤدي وظيفة قذرة منافحة عن نظام عائلي قبلي فاسد خلعه الشعب بثورة وتضحية بالغالي والنفيس؟.
حقيقة لا أدري كيف سنقنع أنفسنا بأن الثورة أسقطت رأس النظام وأنها ستنجز بقية أهدافها فيما هي لم تستطع وقف نائب وزير كعبده الضبحان الطفشان؟ كأن ما جرى في هذه البلاد ليس سوى انتقال عبده الجندي من قناة اليمن الحكومية إلى قنوات آزال وسبأ واليمن اليوم وغيرها من فضائيات جمهورية الصالح وشركائه!.
كيف سننتقل للحديث عن محاربة القاعدة وقضية الجنوب ومشكلة صعدة وبناء الدولة الحديثة فيما نحن لم نستطع وقف مهزلة المؤتمرات اليومية؟ كيف سيثق الناس بأن لدينا دولة ونظاماً جديداً ورئيساً جديداً، وأن لدينا حكومة وفاق واحدة ووزير إعلام واحد إذا كان واقع الحال يشير إلى دولة داخل دولة، ونظام داخل نظام، وحكومة داخل حكومة، ووزير يمثل النظام الجديد ووزير يمثل النظام السابق؟؟.
محمد علي محسن
الجَنَدي لا يشبه صديقي المولع بالميكرفون 2187