مرت المنطقة العربية سابقاً بصحوة اجتماعية متنامية دعت في مجملها إلى العودة لقيم ومبادئ الأمة من التزام الإسلام ونشر أحكامه وأخلاقه ومنهجه بين صفوف المجتمع المسلم، كما قامت في بدايتها بالاهتمام بإحياء التراث وبث روح العزة والكرامة ورفع معنويات الجماهير العربية وإعادة الثقة إليها ونشر ثقافة المقاومة والإصلاح فتربى جيل عريض من أبناء الأمة على هذه المفاهيم وقدمت الصحوة في ذلك الوقت مجموعة غفيرة من رجالات الأمة الذين ساهموا إسهاماً بارزاً في إصلاح مجتمعاتهم ولا تزال مآثرهم شاهدة على هذا حتى الآن.
لقد استطاعت الصحوة في المرحلة السابقة أن تركز اهتمامها وجهودها على إصلاح المجتمع وخلق مجتمع يسود فيه الوعي وتنتشر فيه ثقافة الإصلاح، مجتمع يهتم بمعالي الأمور ومحامدها مجتمع تشاهد فيه قيم التعاون والتراحم و التناصر غالبة على أبناءة،, كانت الحركات الإسلامية هي المتزعمة لهذا الإصلاح الاجتماعي بلا منازع.
فالمؤسسات الإسلامية الدعوية منها والتنموية والخيرية لا يكاد يخلو منها بلد عربي وإسلامي
وكان لانتشار وسائل الاتصالات ألأثر الأكبر في اتساع نطاق هذا الإصلاح.
وبعد أن نجحت الحركات الإسلامية بشكل جيد في هذا النوع من الإصلاح وكونت لها قواعد اجتماعية وأنصار ومحبين ونالت ثقة جماهير غفيرة من أبناء المجتمعات العربية رغم المضايقات المستمرة من الأنظمة الدكتاتورية لهم أو ممن ضاق ذرعاً بهذا النجاح من المنظومات الفكرية المخالفة.. كانت الحركات الإسلامية تحاول الدخول في العملية السياسية في تلك الفترة من أجل إصلاح تلك السياسات الرعناء من قبل الأنظمة الاستبدادية الحاكمة لكن دون فائدة فالأنظمة متجذرة وقد أسندت نفسها من الداخل بما تتخذه من سياسات مع المعارضين كما هي طبيعة الاستبداد وبما كانت تتمتع به هذه الأنظمة من دعم خارجي من مختلف القوى الاستعمارية مما شكل حالة من الانسداد في موضوع الإصلاح السياسي, فباءت كثير من محاولات الإصلاح السياسي بالفشل بسبب آلة القمع والمنع التي تعتمدها الأنظمة الحاكمة في المنطقة.
وكانت اليمن من الدول التي انبعث فيها ذلك النوع من الإصلاح أقصد الإصلاح الاجتماعي، فانتشرت المعاهد والجامعات والمؤسسات الاجتماعية والدعوية والخيرية وتشكلت منظمات المجتمع المدني والأحزاب كأدوات إصلاحية فاعلة ومؤثرة ومن المسلم به أيضاً أن المتزعم لهذه الأدوار الإصلاحية في اليمن هم من الإسلاميين بلا شك..
إذا مرت عملية الإصلاح الاجتماعي في اليمن وأتت ثمارها وانغلق أفق الإصلاح السياسي أيضاً كبقية دول الاستبداد في المنطقة فجاءت السنة القدرية وانتفضت الشعوب العربية بما بات يعرف بثورات الربيع العربي مريدة تحقيق الإصلاح السياسي ولتعم المنطقة صحوة سياسية عارمة بعدما خيل للحاكم العربي بأن لا أحد يستطيع أن ينتزع منه الملك وغرته بطانة السوء المحيطة به ونفسه الأمارة بالسوء, وانتفض الشعب اليمني كإخوانه وأسقط نظامه الآسن طالبا حكما رشيدا يقوم على الشورى وتحقيق العدل ليأتي الإصلاح السياسي نتيجة لما سبقه من الإصلاح الاجتماعي حيث بث الأخير مفاهيم إسلامية عريقة من رقابة الحاكم وتحقيق الشورى ورفض الاستبداد ومقاومة الظلم.
ومع بداية هذا النوع من الإصلاح السياسي أعطت الجماهير العربية الثقة للحركات الإسلامية عبر إيصالها للمجالس النيابية وتسليمها مقاليد الحكم، ليأتي هذا الاختيار أيضاً نتيجة طبيعية، لأن الناس قد عاينوا ما قدمته الحركات الإسلامية في فترة الإصلاح الاجتماعي وامتحنوا صدقهم وشاهدوا إخلاصهم.
هناك عوامل أخرى بلا شك أدت إلى هذه الصحوة السياسية في المنطقة غير عامل الإصلاح الاجتماعي من تلك العوامل قمع الحريات والاستئثار بالسلطة من قبل الأنظمة الحاكمة كذلك تردي الأوضاع الاقتصادية والصحية وضعف الخدمات الاجتماعية المقدمة من قبل الدولة كذلك إجبار عموم الأمة على الخضوع لدساتير وقوانين مخالفة لهويتها العربية والإسلامية ومن العوامل المهمة أيضا في انبعاث الصحوة السياسية وولادتها على شكل ثورات شعبية هو معاينة الشعوب العربية لنجاح ثورات وتجارب كثير من الشعوب الأخرى, إذا نحن أمام صحوة سياسية متسارعة النمو والانتشار في اليمن وما شابهها من دول المنطقة عملة هذه الصحوة على انتزاع مقاليد الحكم من الاستبداد لتسلمها بيد واثقة للحركات الإصلاحية والإسلامية بشكل خاص فهل سيستلم الإسلاميون مقاليد الحكم بقوة وأمانة ويعملون على إعادة ما اندثر من مآثر الحكم الرشيد ويفون بطموحات ومتطلبات شعوبهم ويضيفون إصلاحا سياسيا بجوار ما حققوه من نجاح ملموس في موضوع الإصلاح الاجتماعي،,غير أني أعتقد أن المهمة أصعب من سابقتها، كون ارتكاب خطأ يسير أثناء الإصلاح السياسي قد يهدم مسيرة الإصلاح في مجملها أو يضعفها تأخيراً أو إفشالاً أو تشويهاً.. ينبغي الحفاظ على الصحوة السياسية من التلاشي أو الضمور والوقوف أمام من يريد سرقتها أو احتوائها لان الصحوة السياسية وثباتها واستمرارها وتحقيق مطالبها وتغذيتها هو الضمان لتقدم الشعوب وتطورها... أختم بلفتة يسيرة خاصة بالحركات الإسلامية كونها رائدة هذا التحول الكبير، هذه اللفتة أشار إليها الدكتور/ عبد الله النفيسي بقوله: ((الوصول عبر صناديق الانتخاب إلى سدة الحكم لا يعني شيئاً في سياق السياسة، وأنا منذ عمر 17 سنة وأنا أقرأ في السياسة، وعمري الآن 67 سنة، فأنصحكم بألا تغركم الوزارات، ولا تغركم هذه التحولات، لأنكم ستواجهون أياماً من الفشل الذريع الذي أرى الغرب يرسم له من الآن)) ولعله بالغ في قوله (الفشل الذريع) لكننا نسميها الصعوبات والتحديات الكبيرة.
H_mm1@hotmail.com
حمير مثنى الحوري
الإسلاميون وصناعة الصحوات 2186