أكثر من 49 ألف درجة وظيفية أعلنت وزارة الخدمة المدنية جُهوزية صرف مستحقاتهم المالية بعد أن تم اعتمادها بفعل ضغط الثورة الشبابية الشعبية السلمية المباركة، فهي من ثمار الثورة وبركاتها التي لا تحصى حتى على الذين وقفوا ضدها ومنهم الكثير ممن شملهم التوظيف الجديد.
الرقم لن يكون فعليا كاستحقاق مالي إذا ما تم استبعاد الازدواج الوظيفي وكان هناك التوجه الحكومي فعلاً لإنهاء الازدواج الوظيفي بطرق جدية ولا أظن إلا ذلك.
أكذوبة البصمة والصورة والتي تعد جزئية لعملية الإصلاح الوظيفي والإداري ضمن منظومة متكاملة من الإجراءات الإدارية والضبطية لإنهاء الازدواج الوظيفي والتي تلزم الموظف بأداء عمله في المرافق الذي يقدم فيه الخدمة العامة بأمانة ومسؤولية وتعزيز التوجه الوطني لدى الموظفين من خلال التوعية تصب في هذا الاتجاه مع قواعد من الثواب والعقاب...
من شملهم التوظيف منهم من قد اكتهل وهو على عتبة أمل الولوج إلى الوظيفة واستيئس من ذلك وخلص نجيا ولسان حاله يقول: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد، فمن يسبق وهو غير أهل حسب المعايير الظاهرة والآلية الشكلية كانت تعمل بها الخدمة المدنية ويُلتف عليها إن أفضت إلى تقديم صاحب الحق الفعلي...
(تتناكع) التوظيفات من أمامه وعن شماله ويمينه ومن فوق رأسه وبطرق مختلفة ومبررات واهية والخدمة المدنية هي خصمه والحَكَم، تتفصل آليات للتوظيف كل عام بمقاس من يُراد توظيفهم ولا ينقص الآلية إلا تنص بالاسم عن شخص الموظف المطلوب بالجهة التي تتوفر فيها الدرجة الوظيفية، فهناك التوظيفات عبر نوافذ الجهات التي تطلب موظفين ومنها وزارة الخارجية والاتصالات والنفط ومصلحة الجمارك وغيرها والتي لا تخضع في عملية التوظيف للخدمة المدنية والتي تعلن أو لا تعلن عن وظائفها وتُخْضِع المتقدمين لاختبارات مفاضلة مُشَكِكَة بالجامعات التي منحت الخريجين شهادات جامعية ولا شفافية عن مصداقية تلك الاختبارات وحقيقتها فإذا ما تجاوز المتقدم الاختبارات التحريرية يسقط اسمه في المقابلة الشخصية.
الآلية العادلة في عملية التوظيف بما فيها الوظائف في الأماكن الحساسة ومنها الخارجية والتي ظلت حكراً على العائلة ومقربيهم في العهد البائد أن تكون الخدمة المدنية بوابة كل التوظيفات الحكومية بل وإشراف وزارة الخدمة المدنية حتى على التوظيف في القطاع الخاص الذي هو الآخر عائلي ومناطقي، فمثلاً الكريمي هناك شائعة أن التوظيف في صرافة الكريمي لا تكون إلا لأبناء جبل حبشي وإذا اضطر الأمر فمن أبناء تعز، فعندما تكون نقطة الخدمة مثلاً في صعدة وتأتي بمن يعمل في نقطة الخدمة من محافظة أخرى ويحرم ابن المنطقة الذي هو من يدفع أجور الخدمات وله الحق أن يكون له الأولوية ولن تُعْدَم المواصفات التي تتطلبها الوظيفة، وأغلب القطاع الخاص قائم على هذه العنصرية المناطقية التي كرَّسَها العهد السابق ويجب أن تحاربها الحكومة عبر ثقافة وطنية وسلطة القانون وتراقب الآليات التوظيفية في جميع الجهات وتُشْرَع القوانين التي تكفل العدالة والمساواة والفرص المتكافئة لكل أبناء البلد على افتراض قوة الدولة التي تضمن الضبط في حال الخطأ والتجاوز، فالجغرافيا اليمنية هي سوق مفتوح للمؤسسة/الشركة التجارية التي تعمل في السوق اليمنية ومثل ما يربح من أصحاب منطقته هو يربح من كل ربوع الوطن ومثل ما لصاحب منطقته الحق في الحصول على وظيفة ضمن المؤسسة/الشركة للبعيد الحق كذلك سواء بسواء ضمن معايير تكفل المساواة في الفرصة، ولأن منطلق مثل هذا المرض ضعف ضبطية المؤسسات الأمنية والقضائية والتنفيذية للدولة التي يثق بها المستثمر فلا يهم من أين يكون الموظف عندما تكون قوة الدولة وسلطة القانون اعتقد سيحرص رب المؤسسة /الشركة التجارية على التنوع والقربى من كل منطقة بإعطائهم المزايا التي تكفل له المزيد من الربح والولاء لشركته أو عمله التجاري.
الاشتراطات في الوظائف مثل الخارجية والتي لا تنطبق على خريج جامعة (خام) لم يكن لديه القدرة على التأهل في مجال اللغة أو غيرها ولم يكن ضمن المقررات الدراسية على مقاعد الدارسة الجامعية ما تشترطه مثل وزارة الخارجية، قد يُحرم الوطن من الأهليات التي يمكن أن تعمل بأقوى ممن تتوفر فيه الشروط بفعل توفر الظروف المادية والبيئية لشخص ليس أهل من ناحية الولاء والحب للوطن والأهلية الفطرية وحياة الضمير ويمكن اكتساب الشروط الأخرى من خلال التأهيل والتدريب بعد قبوله بناء على قواعد موضوعية وعادلة للوضع الطبيعي الممكن للجميع كخدمة عامة مثل الجامعة أو المدرسة ويمتحن الجميع على هذا الأساس، أما أن تشترط شروط فوق المستوى الطبيعي فهذا من التمييز الغير مقبول والإقصاء المتعمد ويتنافى مع مبدأ الفرص المتكافئة وتصبح الوظائف في بعض الجهات حكرا على طبقة معينة ويُقصى آخرون ليس أقل كفاءة ممن استحوذ على الفرصة الشاغرة وهو يفوقه في جوانب أخلاقية وضميرية وولاء وطني.
فتح بوابة التعاقدات في المرافق والمؤسسات والوزارات كان باباً للإلتفاف على الاستحقاقات الوظيفية لمن ليس لهم وساطات بمثل تلك التعاقدات، فإذا ما أتت درجات وظيفية للجهة التي فيها مجموعة من المتعاقدين كانت من نصيب المتعاقد في الوزارة أو المؤسسة ومن في الخدمة المدنية يظل (مطوبر) ينتظر عدالة السماء أو يوم الدين وكانت الثورة هي عدالة السماء ويوم الدين على الفساد والمفسدين إن شاء الله.
فتصبح الوظائف في الجهات التي فيها متعاقدون الأولية للمتعاقدين، إن كان الأمر هكذا فلماذا لم يكن التعاقد عبر بوابة الخدمة المدنية وللأولية بحسب المفاضلة إن كانت حقاً آلية المفاضلة موضوعية وعادلة، ويغلق التعاقد المباشر مع الجهات والمؤسسات والوزارات من أجل ضمان آلية عادلة لكنه القصد المتعمد المفرغ للحقيقة؟.
التعاقد في الجهات المختلفة على نوعين: الأول وساطات ونفوذ وسبق للتوظيف على الاستحقاق في طابور الخدمة المدنية، النوع الثاني الاستعباد والاستغلال من قبل متنفذي الجهات المتعاقدة للمتعاقدين وأصحاب الأجر اليومي من خلال الاستقطاعات اللا قانونية وتذهب إلى جيوب لأولئك المتنفذين، وبؤرة فساد.
من أعلن عن توظيفهم ضمن العدد المذكور بكل تأكيد الكثير منهم (مُدَبِر حاله) ضمن تعاقد أو توظيف في جهة معينة غير مقتنع فيها ويحلم بالانتقال إلى وضع أحسن من خلال الوظيفة المتوقعة بحسب تخصصه والطموح، وهنا نحتاج إلى توعية أننا قادمون على عهد جديد ولا معنى للفوضى وعلى الجميع الحرص على المال العام والمبادرة إلى غلق (صنابير الفساد) بدءاً بالذات والتخلي عن أي مصدر دخل حكومي يعني الازدواج الوظيفي بهدف الوفر المالي للخزينة العامة، وعندما يكون مثل هذا الضمير والتوجه إليه يجب أن تعيد الخدمة المدنية والمالية والحكومة النظر في المرتبات وكفاءتها المعيشية من أجل زيادتها والتشديد في الانضباط الوظيفي والتقييم المستمر لأداء الموظف وسلوكياته مع المحيط الذي يتعامل معهم ومن يقدم لهم الخدمة ونظرتهم له من أجل تحقيق مبدأ الثواب والعقاب.
الوضع الصحيح للإصلاح الوظيفي يدركه العاملون تماماً ومنهم وزير الخدمة المدنية الأستاذ/ نبيل شمسان وهو الذي يعلم الأخطاء وكيفية ضبطها ومعالجتها وله الجهود الجبارة في التقدم الذي حصل في جهاز الخدمة المدنية وقاعدة البيانات ويعد (الدينمو) المحرك لوزارة الخدمة المدنية وقادر على تنفيذ عملية إصلاح حقيقية لوضوح الخلل لديه وكيفية المعالجة ولأن العهد السابق لم يتح الفرصة للكفاءات للعمل بمعايير صحيحة ووطنية وكان العبث والفساد يعشعش على كل مرافق الحياة العامة وحان الوقت لاجتثاثه من الجذور والأمل كبير أن يكون ذلك العهد البائد قد ولى.
طاهر حمود
الخدمة المدنية والإصلاح الإداري 2086