لودر تلك العصماء العصية الشماء التي تعانق بشموخها وكبريائها وعزتها السماء..تلك التي لا تلين ولا تستكين إلا حين يطمئن قلبها على أهلها, تلك التي احتضنتهم بين ثناياهم وحملتهم في أحضانها وأرضعتهم حليبها.. لودر تلك التي يستظل تحت ظلالها الوارفة أهلها ومن عشقوا ترابها وأفنوا سنوات عمرهم في سبيلها ولم يبخلوا عليها بشيء,فوهبوها أرواحهم وسالت من أجلها دماؤهم وفقدت أبطالها ورجالها وصناديدها..تساقطوا من أجلها كأوراق الخريف,وارتوى ترابها من دمائهم الطاهرة، فكانت المقابر تستقبل في كل مرة شهيداً وهي تهلل وتكبر وتنتشي فرحاً وتقول فداك تربتي ولك ما حمل جوفي وباطني، أنت الشهيد الذي من أجلي ضحى بحياته وأنت الوليد الذي سأنجب بعده..كانت الأمهات تروي بدموعهن الأرض حزناً على فلذات الأكباد,وكانت الليالي الحالكات تكتسي بالأسى والحزن وما إن تشرق شمس الضحى حتى يولي الحزن مدبراً وتهب كل أم مولودها فداءً للودر وتقول وقلبها يتفطر ألماً: ليس هناك أغلى منك ولكن إن لم تحمِ أنت لودر فمن سيحميها؟؟.. رغم الألم ورغم الأحزان ورغم الآهات التي يطلقها كل من يعشق لودر حينما يفقدون عزيزاً على قلوبهم، إلا أن التصميم على أن تبقى لودر آمنة مطمئنة يعمها السلام والحب وأن لا يعكر صفو حياتها شيء هو مطلب الجميع على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم, لأن حب لودر استبد بهم وتملكهم وبات يسري في دمائهم ويصعد مع أنفاسهم,باتت لودر في أعينهم أغلى من أي مدينة أخرى ولا تضاهيها أي مدينة,ومع سقوط كل شهيد يزداد حبها ويزداد تعلقهم بها وتمسكهم بها, ويزداد تصميمهم على أن يحافظوا عليها حتى آخر نفس وآخر قطرة من دمائهم,فتلك الدماء التي سالت وتلك الأرواح التي أزهقت وتلك الأحداق التي أمطرت دماً لم تكن إلا للودر وحدها وحزناً وألماً لحالها, ولم يذهب الإبطال شهداءً إلا حينما كانت التضحية من أجل لودر تستدعي هذا,فحمل كل من يعشق لودر كفنه على كتفه وسلم تله للموت وأصبح ينتظر أن يأتيه الموت في لحظة ومتى شاء المولى..متيقناً أن كل شبابها ورجالها هم فداء لترابها وهوائها وأمنها وأمانها, مؤمنين بأن لودر ستنجب في كل لحظة يقتل فيها أحد رجالها ألف بطل وألف صنديد وأنه سيهب روحه ودمائه لها على أن لا يمسها شيء, فلودر أصبحت اليوم محط الأنظار وقبلة الثوار ومزار الزائرين,أصبحت حديث المجالس ومفخرة كل من ينتسب لها وكل من ترعرع فوق ترابها,بات الكل صغاراً وكباراً ينظرون إليها بفخر وإجلال ويضربون بها الأمثال,بات الكل يترقب أخبارها بلهفة وشوق ولا غرابة في أن يتمسك بها أهلها ويضحون من أجلها..وحينما يسمع أحد عن أبطالها وأهلها يغتبط وينتشي فرحاً ويرقص فخراً,تلك لودر العصية التي صال وجال أبطالها ولم تثنهم كل الظروف والمشاكل والمآسي والفجائع,فحبهم هو من يدفعهم ويحفزهم ويشجعهم ويزيدهم عزيمة وإصراراً على نيل المراد..بات الكل يتساءل باستغراب أيعقل أن يتملك حبها كل أهلها؟أيعقل أن يستبد بهم ويسيطر عليهم فهم يتساقطون شهداء الواحد تلو الآخر ومع ذلك لم يتراجعوا أو يحبطوا بل على العكس تزداد عزيمتهم قوة وصلابة؟.
ولهذا وذاك أقول إن حب الأوطان ومسقط الرأس لا يقدر بثمن, وإن التضحية من أجل من تحب أقل شيء تقدمه له,فلا تستغربوا ولا تتعجبوا فحينما تٌذكر لودر فاعلم أن الأرض حينما تحتضن شهداء تنبت آخرين لا يهابون الموت أبداً,وكأنها تقول: دمائهم تروي عطشي وأرواحهم توقظ من أحملهم في جوفي..
Fahdalbarsha2011@hotmail.com
فهد علي البرشاء
لودر.. يموت بطل وتنجب ألف بطل!! 1875