تنظيم القاعدة كفكرة وأداة وجماعة لم يكن بهذه الشراهة والتهور والقوة حتى وهو في ذروة حربه المقدسة للصليبيين في أفغانستان والعراق وجزيرة العرب، فالواقع أن هذا التنظيم الجهادي الوليد من دمج وتوحد جماعة التكفير والهجرة في مصر والتي رأسها الدكتور/ أيمن الظواهري وتنظيم الجهاد الإسلامي المناهض للوجود الأجنبي في جزيرة العرب والذي كان قائده الشيخ/ أسامة بن لأدن .
فمنذ توحد الفصيلين تحت مسمى تنظيم القاعدة وقيادة بن لادن ونائبه الظواهري عام 98م؛ وجماعات القاعدة المنتشرة في أصقاع أوربا وآسيا وإفريقيا كانت تعتمد تكتيك العمليات الانتحارية الفردية سواء باستخدام الشباب الانتحاريين أو السيارات المفخخة أو الطائرات والقوارب والألغام الموقوتة وغيرها من الأدوات التي تم استخدامها في هجمات القاعدة .
التكتيك الآخر الذي عُرف عن جماعة القاعدة هو استهدافها للمنشآت والأماكن الحيوية وكذا القيادات الأمنية والاستخباريه والأفواج السياحية والعسكرية والدبلوماسية والتي غالباً ما تكون ضربات القاعدة موجهة إلى هذه الأهداف وضمن تكتيكها المعتاد (الكر والفر).
وإذا ما اعتبرنا أن تنظيم القاعدة مازال في عنفوان قوته وإرهابه الذي عُرف به قبل الربيع العربي ووفاة زعيمه في عملية للقوات الخاصة الأميركية؛ فهل يمكن القول أن ما يحدث في محافظة أبين يمثل نسقاً جديداً لانتقال القاعدة من أسلوبها القديم القائم على مهاجمة أهدافها وبأقل كلفة بشرية أم أن القاعدة لم تعد سوى جماعات متناثرة ولكل واحدة منها لا صلة لها بأهداف وأجندة التنظيم وقيادته الموجودة في جبال أفغانستان؟.
إنني أعجب وأستغرب من هذا التحول المفاجئ وفي وقت لم يعد فيه لتنظيم القاعدة أية عمليات نوعية بل وبعد أن صارت فكرة التنظيم وإيديولوجيته ووسيلته غير مقبولة ومحاربة مجتمعياً وفكرياً وحياتياً، فكيف لجماعة القاعدة الاستيلاء على عاصمة محافظة أبين وكي تحكم وتقيم إمارة إسلامية؟..
ما أعلمه هو أن القاعدة غايتها محاربة الصليبيين ومصالحهم في بلاد المسلمين، فكيف تبدلت هذه الغاية إلى قتل المسلمين في معسكراتهم وديارهم؟.
المهم اليوم هو كيف غيَّرت القاعدة تكتيكها وإستراتيجيتها وفي ظرفية باتت فيه القاعدة محاربة ومطاردة وغير آمنة للاستقرار في مكان واحد ولمدة ساعات زمن؟ نعم.. حين حكمت حركة طالبان إمارة أفغانستان منذ الاستيلاء على العاصمة كابول عام 94م ؛ كنا قد رأينا مثل هذه الجماعات المتطرفة وهي تقيم عدالة الرب وفق مفهومها وتأويلها للنص المقدس .
ومع كل ما حدث في أفغانستان خلال حكم الملا/ محمد عمر ومع سيطرة حركته على كل مقدرات الدولة لم يواجه القوات الزاحفة إلى عقر داره مثلما كان متوقعاً إذ فضل الانسحاب إلى كهوف الجبال ومن وقتها وهجماته لا تتوقف .
لكن وعندما نتحدث عن إمارة زنجبار فجماعتها تثير الفزع والخوف، فهنا ينبغي أن نتحدث عن جماعات تهاجم المعسكرات والمدن والمنشآت ليس لضربها وإنما لنهبها والسيطرة عليها، إننا إذن إزاء قاعدة تستولي على دبابات وكاتيوشا وخزائن نقود، قاعدة تقتحم معسكرات الجيش لتغنم عتادها وذخيرتها ودون مقاومة، قاعدة تمتطي البحر فتهاجم مقر الأمن السياسي وفي وضح النهار وكأننا نشاهد فيلماً هوليودياً .
قاعدة تحكم وتنفذ حد الإعدام وبتر اليد، جماعات قاعدة تواجه كتائب وألوية فتخرج منتصرة فيما جيش الدولة لا حول له أو قوة، قاعدة لم يعد في قاموسها إضرب واختفي وإنما أهجم وأعلن إمارة، ألم أقل لكم بأن القاعدة في اليمن لغز عجيب وعبثي مثلما هي قوات مكافحته المدعومة أميركياً وأوربياً وخليجياً!ً.
القاعدة كفكرة وتنظيم أعتقد أنها انتهت بانتهاء مبررات وجودها وتكوينها كجماعة سلفية متطرفة ولدت من رحم القمع واستبداد النظم السياسية العربية بوجه خاص، فالحاصل أن الثورات الشعبية كان لها أن سحبت من تنظيم القاعدة البساط الذي لطالما اتكأ عليه واعتبره منطلقاً لمواجهة النظم الحاكمة، أضف لذلك كانت نهاية زعيم القاعدة قد عجل بنهاية تنظيمه كفكرة وأداة ودعوة مستقطبة للكثير من الشباب العاطل والفقير والجاهل والغاضب والفار والمطارد من أجهزة البوليس .
وإذا ما قلنا بأن القاعدة انتهت بخروج الشباب إلى الميادين والساحات للتعبير عن رفضهم لطغيان الحكام ولجبروتهم وخنوعهم وكذا لتأسيس واقع جديد من العلاقات والمصالح والشراكة مع دول أوربا وأميركا على وجه التحديد، نعم محاربة دول العالم للقاعدة كان عاملاً مهماً ومؤثرًا في محاربة ظاهرة الإرهاب، نعم.. مثل اغتيال بن لادن ضربة قاسية لرأس التنظيم، لكن ما حدث لتنظيم القاعدة خلال السنوات العشر لا يقارن بمدى تأثره بثورات الشباب التي قدر لها الإطاحة برؤساء أربعة وفي عام واحد .
فالتظاهرات الشعبية العارمة وقنوات الفضاء الحرة والصحف والأحزاب والمنظمات المجتمعية والمدونات والفيس بوك واليوتوب وغيرها من الأشياء كانت قد وضعت النهاية لفكرة التغيير العنيفة التي لطالما ظلت ملهمة ومستقطبة للكثير من الشباب والداعمين والمناصرين لها, خاصة في كنف النظم العربية المستبدة والرافضة لكل فكرة دينية أو سياسية من التعبير عن ذاتها بحرية وشفافية دونما خوف أو قمع وتنكيل .
اليوم وإزاء إرهاب أنصار الشريعة في أبين أجدني أسأل: هل ما نشاهده في أبين من جرائم وهجمات وجماعات وإمارات يعد تحولاً وانتقالاً في التكتيك والغاية أم يمثل عودة لتنظيم تقطعت به السبل جراء ما أحدثته الثورات الشعبية ؟ هل ما تفعله جماعة أنصار الشريعة يمثل استفاقة وصحوة وتطوراً لإرهاب قاعدة بن لادن والظواهري أم أن ما نراه ليس إلا محاولات إرهابية يراد بها زعزعة الاستقرار وخلط الأوراق السياسية داخلياً ودولياً؟ .
في العراق وجهت حكومة المالكي تهمة دعم ومساندة جماعات الإرهاب لنائب الرئيس/ طارق الهاشمي الذي مازال هارباً في إقليم كردستان وينفي ضلوعه بالجماعات الإرهابية التي جعلت من أرض الرافدين حمام دم لا يتوقف .
في اليمن القاعدة صار أسمها أنصار الشريعة فكما قيل بأن مسمى القاعدة بات مخيفاً ومقلقاً، هكذا سوقت القاعدة الجديدة نفسها عقب استيلائها على مقاليد أول إمارة إسلامية في اليمن، في الواقع أن المشكلة لا تتعلق بمسمى القاعدة فقط وإنما المشكلة أكبر وأعمق وتكمن بانتفاء الفكر الإرهابي الذي يمكن القول إنه قد مات كفكرة وعقيدة يصعب التعايش معها.
ككيان وكقيادة وكجماعة ربما لم يحن الوقت لإعلان وفاة القاعدة, لكن ما هو مؤكد هو أن عودته ستكون مستحيلة, خاصة بعد هذه الثورات الشعبية التي يحسب لها كسر حالة الخوف من نفوس وعقول وذهن المواطن العادي، وعندما ذهب الخوف من الناس عبروا عما يجيش في صدورهم وفكرهم وحين قالوا ما يريدوا وقتلوا واعتقلوا في سبيل ما يظنوه حقاً وعدلاً بالحرية والكرامة فإنهم ومن حيث لا يعلمون هدوا وقضوا على القاعدة فكرة ووسيلة وطريقة عنيفة للتعبير .
أظن أن ما يجري اليوم في أبين يعد محاولة بائسة لجماعات قاعدية تحاول ألإبقاء لفكرة الجهاد ولكن وفق طريقة أمير طالبان الملا/ محمد عمر والذي أقام إمارته على قاعدة الانهيار والسقوط لنظام الرئيس السابق نجيب الله، وإما أن المعركة الحاصدة للأرواح والممتلكات تمثل حرباً بالوكالة وإنابة عن أطراف سياسية وعسكرية ودينية وإقليمية تريد أن تلعب وتعبث وتقوض العملية السياسية القائمة بل ولتعطي للعالم صورة مخيفة ومرعبة لليمن ولثورته ولنظامه الجديد الذي يجب إرباكه وإنهاكه قبل أن يصير كائناً قوياً يصعب السيطرة عليه .
محمد علي محسن
نهاية للقاعدة أم بداية لحرب بالوكالة؟ !! 2500