جيل الوحدة عمره اليوم 22 سنة، يعني أنه في الجامعة أو رب أسرة، إما إذا ما تحدثنا عن جيلي الثورتين 26 سبتمبر 62م و14أكتوبر 63م، فعمر هذين الجيلين سيكمل بعد ستة أشهر نصف قرن من الزمن، يعني أنهما صارا جدوداً وعلى وشك بلوغ الأجلين .
الواقع أننا إزاء أكبر نكبة وخسارة حلت بهذا البلد، فهل هنالك ما هو أسوأ وأفدح من رؤية أجيال الثورتين والوحدة وهم يعانون ويكابدون ويقتلون من أجل مواطنتهم المتساوية؟، فهذه خمسة عقود انقضت على ثورة الضباط الأحرار في صنعاء وعلى انطلاقة ثورة تحرير الجنوب.
كأن التاريخ توقف عند لحظة دكت في قذيفة مارد الثورة لقصر البشائر، كأن الزمن والمكان والعباد حكراً ووقفاً لهؤلاء الذين مازالوا في وظائفهم يخدمون ودونما اكتراث أو خجل من أجيال متعاقبة لم تسنح لها الفرصة خدمة بلدها وشعبها .
أتأمل في وجوه وأفكار وتطلعات الثائرين اليوم وأقارنها بوجوه وأفعال وخطاب من يفترض أنهم يمثلون ثورة التغيير، أصدقكم أن ما أراه لا يدعو للتفاؤل والأمل بيمن جديد عماده الشباب وأفكارهم وطاقتهم وإبداعهم، فكل هذه الأشياء لم تجد الفرصة المناسبة كي تستغل وتستثمر إيجاباً وبما يعود على هذه البلاد بالنفع والفائدة .
لا أتحدث هنا عن دول أوروبا الشرقية التي يحسب لشبابها قيادتها وفي ظروف صعبة واستثنائية كتلك التي أعقبت سقوط وانهيار منظومة الكتلة الشرقية قبل عقدين ونيف من الزمن، لكنني أحدثكم عن اليمن وشبابه الذين برغم كونهم الطاقة والثروة والحلم والطموح، بل ولا أبالغ إذا ما قلت أنهم حاضر الثورة وقربانها وإيقونتها؛ فإن هذه الطاقة والثروة للأسف يتم إهدارها وتعطيلها إلا من رحم ربي .
الرئيس الأميركي عمره أربعون سنة ويزيد عندما ترشح للرئاسة، ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا أيضاً سنه لم يتجاوز الخمسين، كثيرة هي الأسماء السياسية وكثيرة هي الرموز والصفات والألقاب والانجازات والأحداث التاريخية المؤثرة، كل الرسالات السماوية وكل الثورات والتحولات المهمة أصحابها عادة ما يكونون في سني الشباب (20-60)، وحدها الشعوب العربية ووحدها الثورات العربية، فالاثنتان تفردتا باستبداد الشيخوخة والكهلة .
كيف ولماذا تم إهدار وتعطيل طاقة الشباب؟ فلأن الدولة اليمنية محتكرة في المعظم من الحرس القديم الذي مازال يتحكم ويدير هذه البلاد دولة وحكومة وقوة وأحزابا وجامعات وهيئات ومؤسسات إنتاجية وإبداعية وخدمية وغيرها من الوظائف المهمة .
في ندوة نظمها منتدى العرفاف الثقافي والاجتماعي في دمت الضالع يوم أمس الاثنين كان موضوع الندوة يتعلق ببناء الدولة الحديثة وكيفية الانتقال من مرحلة الشرعية الثورية إلى مرحلة الشرعية الدستورية باعتبارها غاية الثورات الحديثة .
تأملت في وجوه الحاضرين واستمعت لكل المتسائلين والمتداخلين؛ فوجدت أن غالبية هؤلاء من الشباب الذين لم يطلقوا رصاصة على الانكليز أو قذيفة على قصر الإمام، بل أجزم القول أن أغلب هؤلاء لا صلة لهم البتة بماضي الجنوب أو الشمال، بكارثة حرب الجنوب أو نهبه وتدمير دولته ومكتسباته وثقافته، لا علاقة لهم بحروب صعدة أو المناطق الوسطى .
كل المتحدثين كان مطلبهم واحد وهو بناء الدولة الحديثة، فمخاوفهم وقلقهم من إخفاق هذه الثورة ومن احتوائها من القبيلة ورموز الفساد والعسكر، نعم شعرت بالألم والحسرة، كون جيل الوحدة لم يعثر بعد على دولة الوحدة، كما أن جيل الثورتين والدولتين فشل وأخفق في تحقيق وانجاز فكرة الدولة الديمقراطية والمستقرة .
مقابل هذا الشعور السلبي؛ كان الشيء الايجابي هو ما تحدث به معظم الشباب الحاضرين، فالأمل والتفاؤل بغد أفضل ومزدهر هو هاجس مشترك للجميع، كما أن الوعي والذهن الخاليين من أية حسابات أو اعتبارات ضيقة كانا وراء دعوتي للجيل العتيق لأن يتنحى ويترك الفرصة لهؤلاء كي يفكروا ويقودوا ويبنوا وطنهم البائس والمتخلف نتيجة لهيمنة واستئثار ذات العقلية وذات القيادات الهرمة والعتيقة ونفس المنطق والمنهج والفكر القديم الذي أنهك البلد ودمر اقتصاده وتنميته ودولته وعطل طاقة أجيال متعاقبة، فهل آن الأوان لأن نسمع ولأن نستجيب ولأن يستفيد الوطن من قدرات وطاقة شبابه؟ .
دعكم من قيادة البلد ومن حكومة الوفاق وانظروا إلى ماهية القيادات القديمة التي قدر لها خدمة الانكليز والإمام؟، تأملوا في مؤهلات وقدرات وأفكار القائمين على الثورة وعلى الوحدة!، انظروا لماهية الكارثة التي نعيشها جراء هيمنة واستئثار القيادات العسكرية والحزبية والوظيفية والأكاديمية والأمنية والإعلامية والقضائية والإدارية وووإلخ، فمعظم هؤلاء تجاوزوا الأجلين ومعظم هؤلاء يمكن أن يفيدوا البلد بخبراتهم واستشاراتهم، أما أن يقودوا ويحملوا راية الوحدة والتغيير والحداثة والنهضة، فهذه مهمة صعبة وأكبر من أن يحملها كهلة العهد القديم .
محمد علي محسن
جيل الشباب وكهلة الزمن القديم 2359