إن اليمن اليوم أحوج ما تكون إلى العمل الإيجابي لبناء اليمن الجديد، وهي مهمة ثقيلة يدركها فخامة الرئيس المنتخب المشير عبد ربه منصور هادي وعبر عنها في خطاب اليمين الدستوري في مجلس النواب، ونص اليمين دستوريا: "أقسم بالله العظيم أن أكون متمسكا بكتاب الله وسنة رسوله، وأن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري، وأن أحترم القانون والدستور، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة، وأن أحافظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه" إن هذا القسم العظيم عهد بين الرئيس هادي وبين الشعب والوكيل عليه في ذلك الله تعالى، الذي أقسم به، وهو المطلع عليه، والله تعالى يقول: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} (34) سورة الإسراء.
إن كل مظلوم بامتداد الوطن اليمني أمانة في عنق المسئول الأول رئيس الجمهورية، كل بطن جائعة سيسأل عنها بين يدي الله تعالى، لماذا جاعت، وما صنع لدفع الجوع عنها، كل نفس خائفة سيسأل عنها بين يدي قيوم السموات والأرض من أخافها وماذا عملت لرفع الخوف عنها، كل مسجون ظلما سيقاضيك بين يدي الله عز وجل الذي نزع الملك من صالح وآتاه إياك، كل جسد عار ستسأل عنه لـمَ لم توفر له الكساء، كل مريض سيخاصمك بين يدي الله الواحد القهار ما عملت لعلاجه وتوفير دوائه، كل كبد حرى من قتل والدها أو ولدها أو زوجها أو أخيها ستقف بمظلمتها، كل مقهور بالظلم، وكل معتدى عليه، وكل معتقل أو مختطف، وكل مظلوم، وهكذا في بقية الناس.
إن كل ما سبق وغيره كثير كثير، يتطلب العمل لا الكلام، ويتطلب المتابعة الشخصية والحقيقية والجادة، فإن الله رقيب على كل نفس بمسئولياتها قال الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} (33) سورة الرعد. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كلكم راع ومسئول عن رعيته" وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع" وقد ضيعنا من قبلك فوضعه الله.
إن المهمة ثقيلة وجسيمة كما تحدثتم عنها في خطاب اليمين الدستورية، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولكنه تعالى علمنا أنه يساعد من يريد المساعدة ويسعى إليها، فقال في شأن رأب الصدع لأسرة وإصلاح الحال لها: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } (35) سورة النساء. فإذا كانت الإرادة صالحة، وتوكل العبد على الله تعالى فإن الله تعالى يوفق مساعيه، وهذا منطوق كتاب الله تعالى أنه يوفقه، والله تعالى لا تخفى عليه خافية ومن يرد العون من الله يجده، ومن يطلب رضا الله تعالى يلقاه.
إن الله تعالى جعل التغيير بيد المجتمع حتى لا ينحرف منحرف، فقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (11) سورة الرعد، فإرادة الخير والسير في طريق التغيير موعودان من الله تعالى بالنجاح.
لقد رأينا آيات الله تعالى تتحقق في الحياة أمام أعيننا فرأينا صدقها بعين اليقين، في أكثر من آية في قوله عز وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (26) سورة آل عمران. فرأينا هذه الآية واقعا ملموسا.
ورأينا قول الله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (33) سورة الإسراء. فرأينا كيف جعل الله السلطان المحلي لشهداء الثورة بانضمام الجيش الحر بقيادة الرمز الوطني الكبير اللواء علي محسن صالح ومن معه من قادة الجيش الأحرار الذين ستدرس أسماؤهم في كتب التاريخ، وستكتب تضحياتهم في سفر المجد اليمني العظيم، وكذلك بانضمام القبائل الأحرار، والالتفاف الشعبي من أقصى اليمن إلى أقصاه، وجاء بعده السلطان الإقليمي ممثلا في دول الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية، وجاء بعده السلطان العالمي والأممي ممثلا في قرار مجلس الأمن، ولا نشك أبدا أننا منصورون وأن القتلة سيقدمون للمحاكمة لينالوا جزاءهم الشرعي بما اقترفت أيديهم.
ورأينا قول الله تعالى: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } (43) سورة فاطر. فرأينا كيف صنع الله بمن مكر، وكيف كانت عاقبة مكرهم، وتدبيرهم، فالموعظة نراها ولا نسمعها، ما قصر صالح ومن معه في المكر {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } (46) سورة إبراهيم. وصدق الله تعالى: {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } (10) سورة فاطر.
إن الرئيس المنتخب يحظى بقبول شعبي وإقليمي ودولي وهو أمل كبير لإنقاذ اليمن والسير قدماً في خطوات التنمية وإعمار اليمن، وبسط نفوذ الدولة على كامل التراب اليمني، وإقامة العدل بين الناس.
إن اليمن تشكو غياب العدل، لقد استهان الناس بالدماء، وهذه الاستهانة تمثلت في جمعة الكرامة التي تصادف الذكرى الأولى لها في الشهر القادم، فماذا نستطيع أن نقدم لأولياء الشهداء في دماء أهليهم، وكيف نعمل على إرساء العدل وليس الانتقام، وسيادة القانون وليس التشفي، وخطوات العدل وليس إرضاء الأهواء، إن جمعة الكرامة أهم منعطف في تاريخ اليمن المعاصر بعد مجازر الإمام أحمد في سنة 48م، فهنا تلذذ بالقتل، وإبادة جماعية ممنهجة، فهل نرى شيئاً من العدل؟
إن اليمن اليوم تطالب كل أبنائها الالتفاف حول الهدف، ووضع الكف بالكف، وتشبيك الأيادي، وتشمير السواعد، وإتقان العمل ولكن هذه كلها تقف على قاعدة أساسية هي العدل، وفي ظل غياب العدل سيبقى المجرمون يقطعون الكهرباء، ويسرقون الأموال، ويبددون الثروات، وينهبون خيرات البلاد، وأعظم من ذلك يقتلون النفس، ويزهقون الأرواح، ويسفكون الدم المصان، وسيبقى في القلوب عطش للعدل حتى نراه، واقعا حيا، فبالعدل تصل الحقوق إلى أهلها.
إن موارد اليمن كفيلة بأن تسد عوز كل محتاج فقد جعل الله تعالى الزكاة كافية لسد عوز المحتاجين لها، وما جاع فقير إلا بظلم غني، كما قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه، إن اليمنيين يغلب فيهم فئة ذوي الدخل المحدود، فما أنتم صانعون لهم فإن النصر والرزق مرهون بالاهتمام بالضعفاء.
إن الرئيس المنتخب رجل متعلم، وقائد عسكري متميز، ومناضل شارك في حرب التحرير، وإنسان جاء من الساحة، وحاز الثقة الغالية، واليمن أحوج ما تكون اليوم إلى العمل، وهي أمانة في أعناق اليمنيين جميعاً، ولكن تركة المسئول أكبر وأكبر، والله المعين.
د. محمد عبدالله الحاوري
نريد أن نرى عملاً 2037