إن الرئيس المنتخب الأخ/ عبد ربه منصور هادي يمتلك فرصة تاريخية فارقة في حياة اليمن واليمنيين، فقد أعطاه الله عز وجل الملك على حين اتفاق من الناس، فتولى الشأن اليمني في لحظة نادرة الحدوث في حياة الأمم، فقد خرج شعبنا بالملايين إلى الساحات والميادين على مدى عام كامل لأجل التغيير ورحيل النظام السابق، وكان الرئيس عبد ربه منصور هادي هو محل الإجماع الوطني لتولي زمام الأمور لتحقيق التغيير المنشود الذي هتف له الشباب ألا وهو بناء يمن جديد.
إن الدهر ابتسم للأخ الرئيس هادي، وضحكت الدنيا في وجهه، والمطلوب اليوم منه هو النظر في احتياجات الشعب وبخاصة أن جماهير الشعب اليمني قد أعطته ثقتها آملة في قدراته الشخصية والعلمية والعملية على أن يحقق لليمن ما تصبو إليه من الخير والأمن والاستقرار والتنمية وتحقيق بناء اليمن الجديد، ونسأل الله تعالى أن يجري ذلك على يديه.
وإذا كان الرئيس المنتخب قد قدم رؤيته النوعية في خطاب القسم، وهو نوع من الخطابات المهمة في العرف السياسي، باعتبار أن خطاب اليمن الدستورية هو الإطلالة الأولى للرئيس المنتخب التي يطل بها على الشعب، وباعتبار أن كلمات ذلكم الخطاب تمثل منارة هادية لسير الرئيس والحكومة، وقد تساءل فيه إلى أين تتجه اليمن، وهو تساؤل في محله، ولكنه هو أول المطالبين بالإجابة عنه، فاليمن اليوم بحاجة أن تتجه إلى البناء لا إلى أي شيء آخر، وتحتاج أن تتكاتف الجهود لتحقيق متطلبات هذا البناء، وتحتاج كذلك إلى المتابعة الحقيقية لشؤون الوطن والمواطن.
إن البوصلة الوطنية تتحدد في الاهتمام بالمواطن؛ لأن الاهتمام بالمواطن هو الهم الحقيقي الذي تسعى له الدول، ولأجله تقوم مؤسساتها، ولكن هذه المؤسسات ستظل حبيسة الأشخاص، ومخنوقة بالرؤى الفردية، ومكتفة بالمطامع الضيقة ما بقيت في قبضة المفسدين الذي يفسدون في الأرض ولا يصلحون، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الشتات الذي تعيشه المؤسسات اليمنية وفي مقدمتها المؤسسة الوطنية الكبرى مؤسسة الجيش والأمن يعيق الخطوات التنموية المطلوب إنجازها، والتي تنتظرها الجماهير التي منحت الرئيس المنتخب ثقتها بملايين الأصوات.
إن الاتجاه اليوم إلى الاهتمام بالمواطن هو الغاية الحقيقية للدولة ومؤسساتها، وإنني أتساءل حين أشاهد النشرة الإخبارية وأستمع إليها: ماذا يستفيد من هذه الأخبار المواطن العادي في أمنه ومعاشه؟ متى أسمع عن أخبار ألمس آثارها على حياة المواطن العادي؟ ما المردود على البطون الجائعة، والأجساد المنهكة من المرض والبرد وسوء الخدمات الحياتية؟.
أعرف أنني لن أستعجل، فالتركة من الظلام والإظلام ثقيلة ما الله بها عليم، لقد احتجنا عاما كاملا لإزاحة الكابوس فكم نحتاج إلى أعوام لبناء اليمن، وردم الفجوة التي صنعها النظام السابق بين مؤسسات الدولة حيث زرع الانفصام النكد بين تلك المؤسسات، وزرع الأجسام الغربية بداخل كل مؤسسة حين سلم قيادتها لأهل الثقة لا أهل الكفاءة، ولكن ذلك لا يمنع أن نرى تباشير الخير ولعل في مقدمتها توحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية، وتوجيهها في مهمتها الوطنية العظيمة في خدمة المواطن والوطن بعد أن انحرف بها النظام السابق عن مهمتها الوطنية إلى هدايا يوزعها للأقرباء، فإن الحاجة ملحة في إعادة هيكلة الجيش والأمن باعتبار ذلك صمام الأمان الحقيقي للوطن والمواطن.
إن المهمة التي ينتظرها المواطن تجاوزت حدود سماع الكلمات والخطب الارتجالية التي كانت خارج النص طوال الوقت؛ لذلك فإن المواطن اليمني يريد أن يرى الرئيس والحكومة وهي تؤسس ليمن المؤسسات، يمن الكفاءات، يمن سيادة النظام والقانون، لكي نشعر بالخروج من زمن التيه، لم نصوت للرئيس المنتخب لنسمع خطاباته فقد مللنا من الخطابات، ولكن انتخبناه لأننا نحب اليمن ونحب من يحب اليمن، ومن سيوحد مؤسسات اليمن.
إن هذه الخطوة المهمة والضرورية تحتاج إلى مساندة خطوة أخرى لا تقل عنها أهمية تتعلق بالجهاز القضائي وفي مقدمة ذلك تحديث التشريعات الإدارية والمستحقات المادية والمعنوية لجهاز السلطة القضائية، وبما يحقق العدالة لهذا الجهاز، وبالتوازي مع ذلك ما يحقق العدل للمواطن، إن إصلاح مؤسسة القضاء تجعل المواطن يشعر أن القانون له قوة دولة تسنده، وأن القانون هو الطريق الأمثل لأخذ الحقوق.
إن الشكوى من سير العدالة في بلادنا لا يحتاج إلى إيراد أمثلة؛ لأن الأمثلة أكثر من أن تحصر، فبزيارة أي محكمة وفي أي قضية ستجد أن القضاء يحتاجه الناس حاجة ماسة؛ لأن العدل هو أساس الحياة، فمتى نرى الخطوات الجادة في تسريع معاملات القضاء والبت في القضايا بما يلمسه المواطن، ويسعد به الوطن.
وخطوة ثالثة لا بد من طرحها من الآن وهي إعادة النظر في سياسة الأجور، إن سياسة الأجور لا توفر المعايير الدنيا لستر المواطن ولا أقول لرفاهته، فمن يتقاضى ثلاثين ألفاً ماذا يصنع له هذا المبلغ مقابل المتطلبات الحياتية الكثيرة التي يحتاجها.
وأخيراً فإن المطلبين الأولين كانا سياسيين وإداريين والمطلب الأخير مطلب يتعلق بالمعيشة المالية للمواطن اليمني الذي وضع أمله في الرئيس المنتخب بعد الله عز وجل للإبحار باليمن في زمن جديد شعاره: "اليمن أولا" والله المعين.
د. محمد عبدالله الحاوري
اليمن أولاً 2134