إن الإرادة والإدارة هي التي تقرر المكانة التي تحظى بها الأمم، ونضرب لذلك مثلاً بالرقمين (9) والرقم (1) بالإرادة والإدارة يمكن أن نكون منهما العدد (91) أو أن نكون منهما الرقم (19) وكل ما فعلناه هو إرادتنا للعدد الأكبر وتجاوز الإرادة الدون للعدد الأصغر، ولكن تلك الإرادة تم تمثيلها إدارياً من خلال نقل الرقم الأكبر إلى الخانة الأكبر، وهذا ما يعني وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
إن مكانة الأمم مرهونة بنوع الإرادة والإدارة، فإن الله تعالى قدر الأقدار وجعلها تتدافع فيما بينها، فقد الري يدفع قدر العطش، ولكن لذلك سبب هو الماء، وقدر الشبع يقضي على قدر الجوع، ولكن لذلك سبب هو تناول الطعام، ومثل ذلك يقال في الخوف والأمن، وفي الفقر والغنى، وفي الصحة والمرض، وفي سائر الأقدار.
إن كل جيل يولد بمشاكله من فقر وضعف وخوف ويولد كذلك بالرجال التي تحل مشاكله إذا مكنت وإذا أعطيت الوقت، والتفت الأمة حولها في إنجاز خطة الإنقاذ اعتماداً على مبدأي الإرادة والإدارة، وهذا المثل يترجم من خلال خطة عمل واضحة النتائج محددة الخطوات معروفة المهام محسوبة الإمكانيات وقد تمثلت في القرآن الكريم في قصة نبي الله يوسف عليه السلام.
إن مصر أعطيت فرصة النجاة من الأزمة من خلال سنوات الرخاء السبع، ولكن تلك السنوات السبع كانت تحمل في طياتها رزق السنوات العجاف، فإذا تم بعثرة تلك الإمكانيات وهدرها، فستهلك البلاد والعباد ويصيبهم العوز والشدة، ولكن في ظل وجود مسئول حكيم يعرف كيف يقود البلاد بطريقة صحيحة تمكنت مصر من تجاوز الأزمة، حين سلمت الأمانة إلى أهلها، وتولى المسئولية يوسف عليه السلام ومكنه الملك بتفويض عام قال فيه: {إنك اليوم لدينا مكين أمين} ويوسف عليه السلام قام بالمهمة خير قيام وتجاوزت مصر تحت قيادته الإدارية الأزمة، ولعبت دورا إقليميا وصل إلى الشام حين جاءه أخوته من فلسطين يطلبون التزود بالغذاء من مصر.
إن الإرادة والإدارة قد تمثلت في الاستفادة من التجارب البشرية المفيدة، ومن استلهام التاريخ البشري لإصلاح الأحوال وتجاوز المخاطر وبناء الأمم والوصول إلى دور فعال في الحياة، وذلك حين أحدقت المخاطر بالمدينة المنورة في غزوة الأحزاب وفي مجلس الحرب يقدم سلمان الفارسي رضي الله عنه تجربة بشرية من حضارة أخرى غير الحضارة العربية يعرضها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتكون بمثابة درع واقي لأهل المدينة حين اقترح حفر الخندق، ووافق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك، بل وباشر حفر الخندق بنفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم، وعندما وصلت جموع المشركين العرب الذين يريدون غزو المدينة حال الخندق بينهم وبين دخولها، فلما رأوه قالوا: هذا شيء لا شأن للعرب به.
إن الإرادة النبوية والإدارة النبوية في توزيع مهمة حفر الخندق بأذرع معينة على مجموعة معينة؛ بحيث يأخذ كل عدد من الرجال مسافة حفر محددة، يعطينا درساً نبوياً مهماً في توزيع الأعمال واشتغال الأمة كلها بالهدف العام، وسير المجتمع كله في تنفيذ المهمة المطلوبة، ويعني أيضا أن الأمة حين تدرك واجبها وتنفذه تتجاوز مرحلة الخطر.
إن كل خطة عمل تحتاج إلى إرادة قوية لإنجازها، والصبر عليها، والعمل بحماس من خلالها، فقد كان عمار بن ياسر رضي الله عنهما يحمل لبنتين في بناء المسجد النبوي في حين يحمل الناس حجراً واحدة، فكان جهده رضي الله عنه بجهد رجلين، وكانت إدراة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمجتمع المدينة للسير به نحو الغد المشرق قد أوصلت المسلمين في خلال خمس سنوات إلى مرحلة تجاوز الماضي الضعيف، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد غزوة الخندق: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا" وبذلك فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفحة جديدة في الفعل التاريخي، فقد اطمأن على المدينة المنورة وتمكن من خلال الإرادة والإدارة بتوفيق من الله عز وجل إلى الوصول إلى مرحلة فرض إرادته على الأرض من خلال الغزو.
إن الفعل الحياتي في بناء الحياة وتجاوز مراحل الضعف يحتاج قيادة راشدة تتمثل فيها العلم والحكم، فإن اجتماع العلم والأمر في يد الوالي يجعله راشدا وهذا ما فعله الخلفاء الراشدون كانوا علماء في أنفسهم لطول صحبتهم وثناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمراء في الوقت نفسه، وهو ما استعادته الأمة في خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى حين اجتمعت في يده ولاية العلم وولاية الحكم فقرب أهل الكفاءة وتابع مصالح المسلمين، وعف نفسه فعفت رعيته وهو القانون الإداري الذي وضعه علي رضي الله عنه حين قال لعمر رضي الله عنه وقد تعجب من أمانة المسلمين في القادسية حين وصلته غنائم القادسية فقال: إن قوما جاؤوا بمثل هذا لأمناء. فقال له علي رضي الله عنه: عففت فعفوا ولو ارتعيت لارتعوا. وكلام علي قانون إداري وتربوي واضح.
إن قانون الولاية لدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان واضحاً فقد سأل عمر أصحابه يوما فقال: أرأيتم لو اجتهدت قصارى جهدي في اختيار الولاة، أكون قد أديت ما عليَّ قالوا: نعم. فقال عمر محاسبا نفسه: لا حتى أرى ما فعلوا فيما أمرتهم به.
إن مشكلة الأمة تأتي من ولاتها في المقام الأول، ومشكلة الولاة تتلخص في مسألتين اختيارهم، ومتابعتهم. فحين تخفق الأمة في اختيار الولاة أو يخفق الوالي في اختيار القوي الأمين ليستعين بهم في مراعاة مصلحة الأمة تتحول الولاية إلى غنيمة تتوزع بين الأقرباء ويكون الشعب مثل الأيتام على مائدة اللئام كما كان في العهد البائد.
ولا يكفي اختيار الوالي الجيد، ولا إسناد الأمر إلى أهله إذا لم يكن هنالك رقابة على الوالي، رقابة تحاسبه على الصغيرة قبل الكبيرة، لقد ابتليت أمتنا زمناً طويلاً بمن يبيعها الأوهام بتعبير الرئيس المنتخب المشير الركن عبد ربه منصور هادي؛ حين كان يبيع الشعب كلاما عن الطاقة النووية، والسكك الحديدية وإلغاء البطالة في عامين، ولكن الرئيس هادي مطالب أن يرينا فعله الطيب والخير والجميل بعد أن أسمعنا تشخيصاً رائعاً للمشكلة في خطاب أداء اليمين الدستورية، فقد اطمأن الشعب إلى إيمان الرئيس هادي بالشعب حين أكد أن الشعب أعطاه تفويضاً من خلال انتخابه، وأن ذلك التفويض لا يمكن التشكيك فيه، وهو ما جعل الناس تشعر بالأمل إلى عهد يروا مطالبهم تتحقق في واقعهم المعاش، فقد أنهكتهم مظالم النظام السابق.
إن الرقابة الشعبية هي الضامن المهم بعد توفيق الله للرئيس المنتخب في التحرك باليمن في إطار التنمية الحقيقية والولوج باليمن في الزمن الجديد، والتوغل بالبلد في الإصلاحات المتدرجة والمتوازنة والمبنية على أسس علمية وقانونية، بما يراعي إقامة العدل، وبسط الخير لكل الناس، وهذه الساحات المكتظة بالأحرار والحرائر هم عون لكل من يريد الخير لليمن، وهم كذلك الضامن لتحقيق أهداف الثورة، عملاً بهتاف الثوار المجيد: الشعب يريد بناء يمن جديد.
د. محمد عبدالله الحاوري
الإرادة والإدارة لبناء اليمن الجديد 2077