الذين راهنوا على إفشال الانتخابات لم يكن موقفهم نتاج قناعات ديمقراطية تجعلنا نحترمه كموقف قدر ما عمد إلى العنف كوسيلة لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم لإدراكهم أن سلمية المقاطعة ستكشف حجمهم المتواضع جداً، بما يفقدهم إدعاءاتهم في أنهم يمثلون ثقلاً مجتمعياً، وهم في المحصلة ليسوا سوى أجندة خارجية تتحرك من البعيد وتتخذ من العنف وسيلة لتحقيق حضور وهمي في الأساس مبني على دوافع ليست ذات انتماء وطني، مهما تحدثوا عن مظلومية وحقوق مستلبة يبررون من خلالها الدعوة للانفصال.. ولعل الحراك المدعوم من طهران بوسيط لا منتمي (البيض) وحمل السلاح في يوم ديمقراطي وممارسة الإرهاب قد خلق صورة سلبية تماماً عن هذه القوى المأزومة، وكشف عن همجية حقيقية للمنضوين في هذا الفريق المتخشب، بحيث أقنع العالم أن ما يدعونه من مدنية وتحضر ليس لها وجود، فقد رسبت في أول اختبار بسيط لها ،وأن الحراك المتناغم مع المطالب العادلة والسلمية بكل ما يطرحه هو ما يجب التعامل معه، بعيداً عن أدوات تنفذ أجندة طهران وتنطلق من تناقضات كبيرة وليس من مكونات ثقافية وسياسية وتواجد على أرض الواقع ،بل وترى العالم من ذهنيتها المعطوبة وعلى هذا الأساس تتعامل وتظن أنها في مستوى القدرة على التأثير ،في حين أن انتخاب الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي وتعاملها الوقح مع هذه المناسبة ولجوءها إلى الأساليب البربرية، جعل الدوائر الغربية تثق أنها أمام حالات نفسية بحتة تحركها دوافع خارجية ،لذلك تعتقد الوهم وتبني عليه وتنحو باتجاهه ،بمعنى آخر أن العالم هو ذهنيتها المتصلبة التي لا تقبل الحوار ولا تؤمن به حين تكون الفرصة سانحة لها لاستخدام العنف، وحين تعجز عن ممارسته تتجه صوب الإدعاء بالحقوق والحريات والديمقراطية، هذا على الأقل ما كشفته انتخابات 21فبراير من ثقافة لدى الحراك اللامنتمي (البيض) والمجموعة الحوثية أيضاً..
على هذا الأساس يرى المراقبون السياسيون أن توجهات هذه القوى في عدم الاعتراف بالآخر وممارستها بما استطاعت من قوة في إحداث خلخلة في مسار التحولات النهضوية وإعاقتها، كشف عن تطرف وإقصاء واستخدام العنف كوسيلة للوصول إلى الفوضى وإرباك الواقع ..لذلك تأتي الانتخابات التوافقية مخالفة لطموحات هذه القوى، وقرارها في مقاطعة الانتخابات لم يكن منطلقاً من ممارسة حقوق وحريات وتعبير عن رأي قدر ما هو تأصيل للعنف من أجل إرباك السياسي ومن ثم إحداث صراع داخلي يُنظر إليه أنه وحده الملبي لتطلعات القوى الرافضة للتعايش السلمي والحياة السياسية بكل اعتمالاتها.
ربما يقال عنا ونحن نشير إلى هذا السلوك بالمغالي والإقصائي، وأننا ننطلق من موقف مسبق إزاء هذه القوى الرافضة أصلاً للتغيير والتي تتحالف فيما بينها من أجل اتجاه واحد، عرقلة التوافق والاتفاق بين القوى السياسية والوطنية، ولكن لندع ما نذهب إليه جانباً، ولا يؤخذ به كرأي يقال عنه متحاملاً، ولنأخذ رأي المراقبين الدوليين، تحديداً (الإتحاد الأوروبي) كمراقب للأجواء التي سارت عليها الانتخابات الرئاسية التوافقية، فلقد أدان بقوة هذه القوى التي مارست الإرهاب والعنف ضد الناخبين وإعاقة الانتخابات في بعض الدوائر ونادت منظمات مجتمع مدني أوروبي بإعمال القانون ضد من أعاق الانتخابات ومارس القمع ولجأ إلى العنف ،وفي المقدمة منظمة (هيومن رايتس ووتش) التي عبرت عن استيائها الشديد من قوى العنف ضد الناخبين.. ويبدو أن هذه القوى لا تمتلك مشروعاً وطنياً في المحصلة، وإلا كانت ستبادر إلى الفعل الديمقراطي وتتقدمه، وتطرح ما تريده من مطالب، على الأقل لتكسب تعاطف الآخرين ودونما الإخلال بالروح الحضارية التي كان على هذه القوى أن تتحلى بها، وتلك هي أصل الشجاعة وقوة الإرادة الإنسانية بدلاً من استخدام العنف طريقة بدائية وغير حضارية ولا تتصف بالشجاعة مطلقاً، قدر ما تكشف عن قوى تعيش أزمات داخلية متعددة الجوانب ،ولعل مرد هذه الأزمات إلى أنها - أي هذه القوى- لا تمتلك مشروعاً أو خطاباً واضحاً ومحدد المعالم والأبعاد لتوجهات مستقبلية، وليس لديها مظلومية، وإلا كانت احترمت الآخر المتعاطف معها وفي المقدمة (أحزاب المشترك) التي تطرح قضايا الحراك الجنوبي والحوثية في صلب اهتمامها لما بعد الانتخابات الرئاسية.
ومع ذلك تنكرت هذه القوى لمن آزرها وتعاطف معها ونادى برفع المظلومية عنها، ولم تعر قوى العنف كل هذا التعاطف ولجأت إلى إفشال تطلعات وطن وثورة شبابية برؤية دوغمائية ضيقة أقل ما توصف به أنها حماقة، مردها كما أسلفنا إلى غياب مشروع حقيقي لهذه القوى باعتبارها تنطلق في مواقفها من الخارج بما لدى هذا الخارج من أجندة تهدف لخلق الفوضى والعنف وزرع الفتنة وإفشال التوافق الوطني.. هذا على الأقل ما كشفته الأحداث المتزامنة مع الانتخابات في المحافظات الجنوبية وشمال الشمال في صعدة بممارسة الترهيب لكل من يريد الإدلاء بصوته ويمارس حقوقه.. وكم كنا سنحترم هذه القوى لو أنها اكتفت بالمقاطعة، فذلك حق من حقوقها يزيدنا قناعة أنها صاحبة موقف علينا أن نقف معها جميعاً لتحقيقه، وأن الحوار غد معها ضرورة وطنية لابد منها، طالما احترمت قناعة الآخرين.. كان هذا سيبدو مثمراً وفاعلاً، غير أنها وفقاً لمراقبين دوليين مارست الإقصاء والعنف وعمدت إلى الفوضى والمغالطات وتنكرت لما كانت تدعو إليه من حقوق وحريات، بما يعني أنها تعيش فراغاً إيديولوجياً كبيراً، أكان سياسياً أو حتى مذهبياً..
وهنا يصح القول بالنسبة لمن يتابع هذه القوى في خطابها المغاير في مضمونه لسلوكها على أرض الواقع، بأنه لابد أن تدرك أن ما قدمته من مواقف مخجلة قد أخل تماماً بمصداقيتها أمام المجتمع الدولي الذي يطالب اليوم بتنفيذ القانون ضد كل من مارس القمع على الناخبين، وما كان أغنى هذه القوى من الوقوع في هذه الصورة المأساوية بالنسبة لها وبتقديم نفسها أداة عنف وإلغاء وليس حقوق وحريات ومطالب مشروعة.
وإذاً ليس غريباً أن يبقى خطاب هذه القوى غامضاً ومريباً وغير محدد، ولو سألنا أحداً من قيادات هذه القوى ما هي مطالبهم؟ لما استطاع أن يتقدم مطلباً واحداً غير الإنفصال بالنسبة للحراك الجنوبي الذي يقوده البيض من بيروت والذي أطلق العنان لقناة فضائية بعنوان (عدن لايف) بإشراف خبرات إعلامية من قناة المنار، هي التي تدير وسيلة ابتزازية منها يتكسب على حساب الجنوب وأبناء الجنوب ومظلومي الجنوب ،الذين نقف معهم بقوة ونحسب أن الوطن ينتصر لنفسه حين تحقق كل مطالب إخواننا في المحافظات الجنوبية، وحين يرتفع سقف الحوار إلى أبعد مدى، دونما تدخل قوى فارسية أو غير فارسية، هدفها ليس الجنوب وإنما الفوضى وعرقلة البناء والتقدم في المحافظات الجنوبية وعلى وجه الخصوص (عدن) التي نجد لها طوابير من الرساميل تريد الاستثمار لولا ثلة الانفصاليين القادمين من طهران المحرك الأول لهم، من يعيقون التحول الكبير الذي يجب أن يتم..
وفي المقابل لو سألنا الإخوة الحوثيين ما هي مطالبكم لما وقفنا على شيء من ذلك سوى (الموت لأمريكا،الموت لإسرائيل،اللعنة على اليهود).. وإذاً ليست اليمن على حدود مع إسرائيل ولا مجاورة لها كسوريا ولا ذات تفوق تقني قادرة على إماتة إسرائيل وأمريكا، كما أنها ليست قوة اقتصادية جبارة قادرة على إلحاق أكبر الضرر بأمريكا وإسرائيل، فما الفائدة من هذا الشعار في بلد يئن من الجوع والقهر والظلم؟.. وهل هذا الشعار يتحقق من اليمن أم من سورية التي لا ترفع هذا الشعار وهي أقرب إلى ترجمته عملياً؟.. على الإخوة الحوثيين أن يدلونا على كيفية تحقيق هذا الشعار، حتى لا نقول: إنهم يراهنون على الفوضى ويستمرئون الوجع فينا، ما لم يتقدموا بمحددات تخصهم إن كانت لديهم،على الأقل كي نتعاطف معهم ونقف إلى جانبهم أكان حراكاً أو حوثية، ولكن بعد معرفتنا بالضبط ماذا يريدون؟ وأين تكمن مشكلتهم؟.. حينها سنكون جميعاً معهم في ذات الخندق ولكن بوعي وإدراك ومسؤولية وطنية، وليس استغفال وعاطفة جياشة لا تنبني على وضوح وصدق في القول.
وفي كل الأحوال هذه القوى قد آلمت نفسها أولاً قبل الوطن بانتهاجها العنف، ومهما ادعت خلاف ذلك وتظاهرت بالسلمية، فلا يمكن أن تغطي عين الشمس بغربال، والحقيقة أنها فشلت في إقناع كل المراقبين الدوليين أنها قوى تطالب بحق وسلام، فقد ذهبت منظمات حقوق إنسان دولية إلى إدانة استخدام هذه القوى للعنف وطالبت بتطبيق نصوص القانون عليها، ولأول مرة يتخلى المجتمع الدولي بمنظماته الإنسانية عن هذه القوى وينظر إليها كقوى متطرفة.. وما كان أغناها عن ذلك وقد كشفت عن مستوى من السلوك السياسي الهزيل ما وضعها في دائرة الإرهاب وجعلها تبدو همجية بتصرفها، الذي لم نكن نحن نرجوه لها ونريد التعاطف معها، ولكنها لم تقنع أحداً بشيء ولم تكشف ماذا تريد؟ وهذا هو جوهر المسألة.. ما هي مطالبها؟ وماذا تريد؟ وما لديها من برامج عمل؟ لتبدو واضحة وصادقة ومسائلة وفق محدداتها وذلك أبسط ما يجب تقديمه.
محمد اللوزي
القوى المأزومة 2102