;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

الربيع العربي.. دلالات وعبر 1892

2012-02-25 05:42:47


ملوك الجمهوريات التونسية والمصرية والليبية والسورية واليمنية، لم يستوعبوا المتغيرات على المستوى الاجتماعي والمستوى الدولي وفوق ذلك وذاك لم يقرأوا توجّهات التاريخ، فتعدّاهم الواقع واجتاحتهم ثورات الربيع العربي، فالمرحلة التاريخية لعام 1950أنتجت مجموعة من الأفكار الاجتماعية شكّلت الأنظمة السياسية لهذه البُلدان عنوانها البارز الجمهوريات، وفي نفس الوقت ألغت من ذاكرة الأجيال فكرة الأنظمة الملكية واصفةً أياها بالدكتاتورية والمستبدة والمتخلفة، فاستبشرت الأمة العربية بهذه الأنظمة السياسية وعلّقت عليها الآمال في تحقيق طموحاتها الحضارية ابتداءً بالوحدة العربية المنشودة على كُل المستويات الاجتماعية، ومرّت الأيام والسّنون وإذا بالجمهوريات تصلُ بالأمة العربية إلى المجهول ولم تُحقّق من وعودها شيئاً يُذكر بل زادت معاناة شعوبها، فبدلاً من الدخول في الحضارة عمّقت فيها التخلُف وبدلاً من الوحدة عمّقت فيها التشرذُّم والأدهى والأنكا من ذلك تحوّلت هذه الجمهوريات إلى ملكيات بل أشدّ في الممارسة السياسية من الشكل الملكي ذاته الذي كان يُوصف بالدكتاتوري وإذا بالأفكار التي شكّلت هذه الأنظمة الجمهورية تصل إلى العدم، فالهرم الفكري لتلك المرحلة الفكرية السياسة شكّل أيضاً الجامعة العربية واشترط للانضمام إليها أن تكون دولاً عربية ذات سيادة، فكان هذا الشرط مُغايراً للطموح الحضاري من الوحدة العربية.. وباستقراءٍ عميق لتلك المرحلة استبان أن الجيل المُنتج لتلك الأفكار السياسة كان له ما يُبرره، فطبيعة المتغيرات الدولية والمحلية شكّلت أفكاره السياسية بدون ارتكاز على مُعطيات ثقافية اجتماعية ومشروع حضاري طامح,وانشغلت المُجتمعات العربية بتكييف وجودها الاجتماعي مع الحياة تاركة الأنظمة السياسية تنتج أفكار وجودها بنفسها بعيدةً عنها، فكانت المحصلة أن جُلّ ما تتبناه هذه الأنظمة هو الاستمرار في الحفاظ على شكلها السياسي الجمهوري حتّى ولو بتفريغه من محتواه الفكري وهذا ما وقع بالفعل, فبدأت فكرة توريث الجمهوريات مع بقاء مُسمّى الجمهورية وبدأت فكرة المَلك الجمهوري مع بقاء مُسمّى الرئيس، فإذا بالجمهوريات تتحوّل عملياً إلى ملكيات بل أشدّ مركزية من الأنظمة الملكية ذاتها وإذا بالملك الجمهوري يُعيّن أقربائهُ في كُل المناصب والمفاصل الحساسة في الجمهورية بدون مُسمّى أمير وإذا بابن الملك الجمهوري الأكبر وليّاً للعهد تحت أي مُسمّى حزبي أو سياسي أو عسكري واستبان أن هُناك دستوراً خفياً غير الدستور الجمهوري ونظاماً خفياً غير المُعلن ووزيراً مخفياً غير الوزير المُعلن وبذلك فُرّغت هذه الأنظمة من محتواها الشكلي والموضوعي وبدأت تدخل مرحلة الصراع مع ذاتها ومع مجتمعاتها ومع حركة التاريخ.
 إنّ هذه الأنظمة بحُكم تكوينها الثقافي والفكري لم تُدرك طبيعة المتغيرات على المستوى الاجتماعي، أعني أن الجيل الحالي لم يعُد ذلك الجيل الذي شكّل تلك الأنظمة وأن هذا الجيل لهُ خصوصيّاته وطموحاته المغايرة لذلك الذي شكّله, هذا المُعطى في تصوّري هو الذي غاب عن المُلوك الجمهوريّين، ذلك أنّه من المتعارف عليه أن حركة التاريخ تُغيّر الأجيال وأن هذا التغيُّر يُغير الأشكال السياسية تلقائياً وما الثورات إلا استجابة منطقية لهذا التحوّل, غير أن السؤال المُهم هو: لماذا الثورات لم تَمسّ الشكل السياسي الملكي؟ والجواب هو أن الشكل الملكي في المراحل التاريخية السابقة على الأقل كان يمتلك من المُقومات الأخلاقية ما لم تمتلكه الأنظمة الجمهورية المهجنة، فالأنظمة الملكية لم تكذب على شعوبها في نظامها السياسي, الملك هو الملك والوزير هو الوزير ووليّ العهد هو وليّ العهد والنظام هو النظام والدستور هو الدستور ولاشيء خفيّ فيها، بمعنى أدق أن هذه الأنظمة لم تُمارس الدّجل السياسي على نفسها أو على شعوبها أو على التاريخ فامتلكت بذلك مقوّمات أخلاقية تجعلُها أكثر استمراراً وبقاءً من الأنظمة المهجنة التي مارست على شعوبها أطول عملية دجل سياسي موصوفة بالكذب المُقزّز لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في القرن العشرين والواحد والعشرين.. لذلك كانت الثورات العربية على هذه الأنظمة المهجنة التي لم تعد صالحةً للحياة بعد أن تعرّت من كل القيم الأخلاقية الضرورية لبقائها, ففي كُل مرحلة تاريخية كونية يتوجّه التاريخ ليصنع حضارت ويُنهي حضارات وفي طريقهِ للتغيير يُزيل تلك الأنظمة التي تعفّنت داخل شكلها السياسي بأدواته المعروفة "الأفكار والإنسان والزمن الاجتماعي".
أقول هذه الكلمات بعد أن بدأنا بتغيّير الشكل السياسي بانتخابات 21فبراير وأنا أدعو هُنا الشكل السياسي القادم المأمول وأقول له :إقرءوا طموحات اليمن وراقبوا التاريخ واعلموا أن الجيل الثوريّ اليمني الحالي كان نِتاج حركة تاريخية مُنذ ثلاثة قرون متتابعة ولن يرضى بديلاً عن نظام سياسي يقُوده بعزّةٍ وكرامة صوب هدفه التاريخي المنشود، أعني التّكامُل مع الأشكال السياسية التي شكّلتها ثورات الربيع العربي تمهيداً للدخول في مشروع عربي طامح للوصول إلى مستوى حضارة..

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد