هذا الإقبال الشديد على مراكز الاقتراع في أنحاء الجمهورية في يوم الديمقراطية من مختلف فئات الشعب اليمني له العديد من الدلالات التي يحسن الحديث عنها.
فمن هذه الدلالات رغبة اليمنيين جميعاً في تجاوز العهد الماضي بكل مآسيه ومفاسده، لقد أكد اليمنيون من خلال ذلك الإقبال أنهم مع إسدال الستار على عهد مضى من غير رجعة ولا يهمهم ما حل بهم من ضياع للآمال وعدمية في الأفعال.
أما الدلالة الأخرى فهي أن الجميع يريد التغيير، لأن التغيير سنُة من سنن الكون والماء الطهور إذا لم يجرِ أصبح آسناً فكيف بدورات الحياة حينما تتجمد في معظم أوجهها كما حصل لنا خلال ثلاثة عقود من الزمن، لقد كان أكبر خطاء ارتكبه النظام السابق هو تجميد العمل بمبدأ دستوري هام وهو التداول السلمي للسلطة.فقد بدأ الداء من تلك اللحظة وسحب نفسه على أشياء كثيرة حتى تملك النظام السابق كل شيء وجمد حركة الحياة وقتل الإبداع والطموح لدى اليمنيين.
وهناك دلالة أخرى في غاية الأهمية وهي مشاركة النساء الملفتة في هذه الانتخابات رغم أنها انتخابات توافقية ليس فيها منافس، لقد أرادت بلقيس اليمن أن تقول للجميع أنها ليست مع من سفكوا دماء الشباب وقتلوا الأبرياء في ساحات الحرية واستخدموا سلاح الدولة لقتل المواطنين المطالبين بالحرية والتغيير، لقد كانت صور القتل الهمجي للأطفال والنساء والشباب وأنهار الدماء التي سالت من أجل اليمن الجديد أكبر دافع في اعتقادي لنساء اليمن لكي يخرجن بتلك الأعداد الغفيرة خوفاً من الماضي الحزين ورغبة في أن يكون المستقبل أفضل بحيث يحضى أطفال اليمن بالرعاية والتعليم الجيد بدلاً من الرصاص والبارود الذي صب على رؤوس الناس في مختلف المحافظات من معسكرات النظام التي خنق بها المدن.
ومن الدلالات المهمة أيضاً هي رغبة اليمنيين في أن يكون لهم دولة مدنية حديثة قوية تحترم النظام والقانون تقوم على العدل والمساواة ويكون القضاء النزيه فيها هو مرجع الجميع ومحل إحترام الجميع، دولة يكون لكل صاحب جهد صادق من أجلها نصيب في المواطنة المتساوية والحقوق والواجبات.دولة تقوم على أساس احترام التخصص والتأهيل والكفاءة وتقديم هذه الكفاءات على الإمعات وإنصاف المتعلمين الذي رفع من شأنهم النظام السابق لحاجه في النفس عرفها اليمنيون فخرجوا اليوم ليقولوا لا لتلك السياسات الخرقاء.
كما أن من الدلالات على هذا الإقبال الرائع هو رغبة اليمنيين في نبذ الإرهاب والعنف ورفض المناطقية والطائفية بكل أشكالها، فرغم إستمرار جهود الهدم من هذه الفئات ومنع الناس من الانتخابات بحجج واهية وركيكهة ومبررات مضحكة إلا أن اليمنيين لم يستجيبوا لضعفاء النفوس مع وجود القتل والإرهاب الذي حصل في بعض الدوائر الانتخابية فقد خرج الناس بمئات الآلاف ليقولوا لمرضى النفوس لقد تجاوزنا كل أمراضكم وكبرنا على كل أحلامكم الصغيرة في تقسيم اليمنيين أو زرع الفتنة فيما بينهم أو جعلهم شيعاً وطوائف تتناحر بالنيابة عنكم.
إن على الرئيس الجديد وحكومة الوفاق قراءة هذه الدلالات وفهمها جيداً حتى لا يتسرب اليأس إلى النفوس بعد أن بلغت القلوب الحناجر، فالعواقب ستكون وخيمة والشعب اليمني اليوم قد عرف طريقه لاسترداد أي حق مسلوب ولن يقبل بأنصاف الحلول مع وجود الإمكانية لحل المشاكل حسب أولوياتها.لا مكان اليوم للتسويف واللامبالاة والهرجلة والأنانية المفرطة التي هي من سمات الزمن الغابر الذي دفنه اليمنيون في الحادي والعشرين من فبراير 2012الى الأبد بإذن الله.