سوف يتبين بجلاء من خلال نسبة الناخبين في هذه الانتخابات مدى الثقة التي يوليها الناخبون للقوى السياسية التي تتصدر المشهد السياسي في اليمن عقب التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المحددة زماناً ومكاناً، وستبين بالتالي الزاوية التي ينظر منها المواطنون إلى المؤسستين العسكرية والأمنية ومدى الثقة في مقولتي: " حماة الوطن" و " حماة الأمن".
وتجيب بالتالي على السؤال الكبير المطروح:
هل الدولة اليمنية تملك مؤسسة عسكرية ومؤسسة أمنية، أم أن هاتين المؤسستين هما اللتان تملكان الدولة اليمنية؟
لقد أثبتت التجارب العملية في الممارسة السياسية للنظام السياسي الذي قيل عنه أنه ديمقراطي منذ إعلان قيام الدولة اليمنية الموحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م، وفي الفترة التي سبقتها منذ قفز علي عبد الله صالح إلى كرسي الحكم في اليمن عام 1978م، أثبتت التجارب أن هناك قوة رئيسية مهيمنة، بما يشبه المطلق، في اليمن خارج نطاق السلطة التشريعية المنتخبة، وكذلك فوق السلطة القضائية، أما السلطة التنفيذية فلا معنى للحديث عنها لأنها أقل من أن توصف بـ "الشكلية"، وإن مرد ذلك هو الهيكلية التي اعتمدها نظام الرئيس/ علي عبد ا لله صالح للقوات المسلحة والأمن رغم إعادة توحيد الدولتين الشطريتين واندماج تجربتين سياسيتين مختلفتين كل الاختلاف، الأمر الذي أفضى إلى أن يصبح ما هو معلن إعلامياً غير مؤثر أو فاعل إزاء تلك الهيكلية المبتدعة لأغراض لا علاقة لها بأي هدف وطني.
لقد ابتدع الرئيس/ علي عبد الله صالح نهجاً مغايراً في البناء العسكري والأمني، فأنشأ القوى الموازية لكل مكونات المؤسستين العسكرية والأمنية، حيث دمر التقاليد العسكرية فيهما، ودمر مبدأ الولاء الوطني، وكرس لغرس قيم الولاء الشخصي وسحق نظام الأقدمية، وسلط أهل الثقة على الأقدمين والأكفاء وذوي التخصصات العلمية الدقيقة، وأشاع الفساد المنظم في أوساطهما، ونشر العيون المتجسسة بين منتسبيهما، فأضعفهما، ثم عمل بالتوازي مع ذلك بإنشائه ما عرف بـ "القوات العائلية" حيث قام فور توليه بإنشاء ما عرف بـ" الحرس الخاص" بدلاً عن الحرس الجمهوري الذي عرفناه بسيطاً ومتواضعاً مادياً وبشرياً، في ظل الرؤساء السابقين منذ قيام الثورة وحتى مجيء علي عبد الله صالح إلى سدة الرئاسة، فقد أصبح الحرس الخاص قوة ضاربة بإمكانيات مضاعفة عشرات المرات خلال بضعة أشهر، ثم أتبعه بإعادة هيكلة سلاح المدفعية وسلم قيادته لأخيه الأصغر غير الشقيق/ علي صالح الأحمر، تحت مسمى جديد هو: " مجموعة ألوية المدفعية التي تضخمت مادياً وبشرياً وانتشرت جغرافياً لتسيطر على المدن الرئيسية في اليمن، ثم جرت إعادة هيكلتها من جديد لتتحول إلى جيش قائم بذاته تحت مسمى :
"قوات الحرس الجمهوري" التي ضمت كل ا لتشكيلات العسكرية المعروف للقوات البرية والدفاع الجوي والقوات الخاصة، كما جرت إعادة هيكلة سلاح المدرعات تحت مسمى: "الفرقة الأولى مدرع" بقيادة الرائد/ علي محسن صالح الأحمر، لتكمل دائرة السيطرة العسكرية على كل مناطق اليمن الرئيسية وتقدم الحماية الكاملة للنظام الذي أصبح بوضوح شديد نظاماً عائلياً لا لبس فيه ولا غموض.
وفي مقابل المؤسسة الوطنية الأمنية أنشأ صالح قوات الأمن المركزي وسلم قيادتها لأخيه الأكبر الرائد/ محمد عبد الله صالح لتصبح قوات أمنية_عسكرية مقاتلة ضاربة، بل عملاقة مهمتها الأساسية حماية النظام العائلي، وحين توفى القائد الشقيق ورث القيادة ابنه يحيى، وإن كان شكلياً ا لرجل الثاني في القيادة بمنصب أركان حرب قوات الأمن المركزي، وأنشأ في مقابل الجهاز المركزي للأمن الوطني دائرة أمنية في دار الرئاسة مهمتها حماية الرئيس ونظام حكم، ثم أخيراً أنشأ " جهاز الأمن القومي بقياد بن أخيه عمار محمد عبد الله صالح، وإن كان علي محمد الآنسي شكلياً هو الرئيس الرسمي للجهاز.
ليس ذلك وحسب، بل لقد صار هؤلاء القادة يؤثرون بشكل مباشر على القرار المؤسسي في كل مرافق الدولة، وصار نفوذهم طاغيا عليها، وصارت لهم الكلمة العليا من إدارة المرور والبلدية والأراضي والتخطيط العمراني إلى الوزارات والمؤسسات والشركات وحتى رئاسة الوزراء. وصارت توصياتهم ورسائلهم ملزمة التنفيذ بلا تردد.
لقد أدى كل ذلك إلى أن أصبح علي عبد الله صالح هو المؤسسة المحورية الرئيسية في اليمن، بعد أن تم تهميش كل المؤسسات لصالح نفوذه الشخصي وأقاربه، وأدى ذلك بالمقابل إلى تدهور العلاقات المدنية العسكرية التي عرفت منذ قيا ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة 1962م معززة بالثقة المتبادلة بين مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وبينهما وبين المجتمع وبرز بشكل صارخ فقدان الثقة في مؤسسات الدولة الشكلية بشكل عام، وفي مصداقية المهمة الوطنية المعلن عنها رسميا للقوات المسلحة والأمن بشكل خاص، فلم يعد ألكثير من الأهالي يصدقون غير ما يرون، خاصة بعد تلك الحروب التي افتعلها علي عبد الله صالح في طول اليمن وعرضه بهدف أساسي واحد هو: " إدارة الدولة والمجتمع بالأزمات" فإلى أي مدى سيؤثر ذلك الركام الهائل من السلبيات والمنغصات البغيضة على استجابة الناخبين لنداء الوطن في المشاركة في هذه الانتخابات الرئاسية المبكرة التي هي بالفعل وطنية خالصة لوجه الله والوطن الذي عانى وما يزال يعاني كثيراً من ويلات هذا النظام المندثر بفعل الثورة الشبابية الشعبية الرائعة التي نثق أن الله يرعاها من عرشه، وأنها لن تأتي إلا بالخير الوفي بإذن الله.
إن الناس قد خرجوا إلى الشوارع والساحات ثائرين على نظام الدكتاتور العائلي، وبقي على القوى السياسية أن تشارك بقوة في عكس الصورة الإيجابية لهذه التحولات التي تجري في البلاد بشكل متسارع، ولهذه الانتخابات المهمة التي تعد مفصلية في تاريخ اليمن على وجه الخصوص، وأن نحشد لها العدد الأكبر من جماهير اليمن الثائرة، باعتبار ذلك عملاً وطنياً وإنسانياً ودينياً خالصا هدفه الخير لكل أبناء اليمن دون استثناء، و مقدمة طبيعية لقيام الحكم الرشيد الذي سيرسي دعائم الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية التي يقف فيها الوزير والغفير على قدم المساواة.
ولكل ذي بصيرة أقول:
يكفينا من مشاركتنا في انتخابات الـ21من فبراير2012 أننا سنستيقظ في صبيحة يومه التالي على يمن برئيس جديد يؤمن إيماناً كبيراً، وبصدق وعزيمة، بالتداول السلمي للسلطة، ولا يتكبر على الشعب أو يخدعه بسيل الكذب ا لذي تجرعتاه 33عاماً ويزيد، ولا يقتطع من قوته ليبني مؤسسات للقتل، ولا يتكئ على قبيلة يهددنا بها حين نخرج للمطالبة بحقوقنا المشروعة.
وسيكون هذا اليوم بداية مهمة لمرحلة جديدة نرجو الله أن تكون بداية للخير كل الخير لهذا لليمن الجديد وأولها بإذن الله الشروع في إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن لتصير ا مؤسستين من الشعب وللشعب، في ظلال الدولة المدنية القادمة بإذن واحد أحد.
khosroof@yahoo.com
محسن خصروف
الانتخابات الرئاسية المبكرة والعلاقات المدنية العسكرية 1965