ضاق الأفق السياسي في اليمن ووصل الأمر سابقاً إلى وصول الحوارات بين السلطة والمعارضة إلى طريق مسدود بحائط اللجنة الرباعية ومن هنا تسلل من ظلمة العتمة السياسية ضوء أبيض يحمل في طياته بزوغ فجر الثورة والتي فاجأت العالم بفلسفتها السلمية المنبعثة من بين الرماد, ولعل شهادة عظيم العظماء رسولنا الكريم بالحكمة لليمنيين جعلت العناية الإلهية تحول دون الاقتتال.
ويوم أن كان للسير الثوري خطواته المتأنية المتبصرة طالت المراحل على قافلة الثوار، فعندما كانت تتراءى واحة سياسية في صحراء تعجرف النظام وصلفه حولها المرجفون إلى سراب بغيض وكان لابد أن يعطى للواقع والمعطيات الدولية حقها, وكان هذا اكبر عائق في تأخر الفرج ولن نغفل أيضاً عن حقيقة أن الله يريد تغييراً حقيقياً في النفس، فيتغير الواقع.
وسارت سفينة النضال في بحر التغيير، لكنها كانت تارة تصطدم بجبل من جليد القمع وتارة بطوفان الموقف الدولي المتواطئ وغالباً ما كان يعاني بحارة الثورة من ريح الانهيار الاقتصادي التي أتت على مختلف شرائح الشعب اليمني.
ورمى النظام العائلي قوس واحدة كاسحات ألغام من عيار نهب الخزينة العامة ليعيقوا مسيرة سفينة قوى الثورة والغريب أنه بعد هذا السجل من المعاناة والتراكمات التي ورَثها ومازال يصنعها النظام عبر حقب الفساد والعبث نجد أناساً يصيحون من الوضع ويريدون العودة من جديد إلى ما قبل 11فبراير، فيا هؤلاء هناك مثل يقول (النقلة من بيت إلى بيت فقر عام)، وهانحن أمام دولة مثقلة بالجراح ووطن هدمت أركانه قي مختلف أرجاء الوطن، فمن الغباء التفكير بالمدينة الفاضلة ونحن نعيش في بلد لم يستطع تجاوز محنة عمال نظافة أضربوا عن العمل.
وسمعنا البعض يعلن صرخات الضجر والتأفف من الوضع القائم وصب جم الغضب على حكومة ضريرة عرجاء تمشي على عكاز ترقع ما أفسده المستبدون، وليعلم هؤلاء أولاً أن الاستفاقة تحتاج إلى وقت والمثل يقول (مكسر غلب ألف مدار).. وثانياً إن بعضاً من هؤلاء لم يكن لهم خيل ولا رجل في الهبة الشعبية ولم تطأ أقدامهم الساحات وإن نزلوا فقد باعوا القضية بتخزينة قات بأقلام ماجورة ترفع التقارير ضد الثوار.. وثالثاً البعض اختزل المحنة بطوابير الديزل وانقطاع الكهرباء وغيرها، نعم.. أنا معهم إنها مكدرات، لكن أيها الناس أنتم تعانون فأين معاناتكم من أولئك الفتية الذين قدموا أرواحهم رخيصة من أجل الوطن؟ أين الجراح المؤلمة وأين تضحياتهم من الذين هدمت بيوتهم تحت وطأت القصف ونيران المدفعية؟ ويأتي هؤلاء يشكون، الأولى بهم أن يعرفوا التضحية والفداء وأن وطناً ننشده عزيزاً حراً نضحي بكل شيء من أجله.
لكن الأولى بنا الآن أن نفكر في كيفية بناء الوطن ونفث روح المبادرة والتصحيح على كل المستويات واستشعار المسؤولية الوطنية وتجنب مخلفات المملكة الصالحية وما ورثته من الأزمات، فالبناء مهمة كل موظف في وظيفته وكل شيخ في قبيلته وكل ناسك في صومعته، فنحن بناة اليمن ولن يكون غيرنا ولن ننتظر غيرنا يأتي عبر بساط الريح لينتشل هذا الوطن الغالي مما هو فيه، فجهاد البناء والنية الصادقة للتغيير هو فريضة الوقت علينا، وليكن للمصلح العظيم والنبي الأكرم لنا قدوة عندما أعلن بعد الفتح (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية).
أمين الحاشدي
بناء الوطن وبساط الريح 1682