لقد أصبح اليوم حديث التوافق بين المصالح العامة والدوافع الذاتية أدعى للسخرية منه للقبول, فلا يمكن بحال من الأحوال أن يتم التوافق الحقيقي ما لم يتخل جميع الأطراف والأضداد والأنداد في أي نقطه من العالم عن تحقيق مكاسب شخصية ولن يتأتى التوافق عندما تكون دوافعه ذاتية ومحدودة..
وللتوضيح سأبدأ مقالتي بالحديث عن مبادرة توافقية حدثت في تاريخنا الإسلامي كتب لها النجاح.
- المبادرة :- عام أربعين للهجرة.
- طرف المبادرة (المصالحة):- الحسن بن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
- أهم شروط المصالحة :-
1- العمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء: وقد ذكر هذا الشرط مجموعة من العلماء منهم ابن الحجر الهيثمي، حيث ذكر صورة الصلح بين الحسن ومعاوية وجاء فيها: صالحه على أن يُسلم إليه ولاية المسلمين وأن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين, وحتى بعض كتب الشيعة ذكرت هذا الشرط وفي هذا الشرط ضبط لدولة معاوية (مرجعيتها ومنهجها في الحياة).
2 ـ الأموال :ذكر البخاري في صحيحه أن الحسن قال لوفد معاوية عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال.. فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به.فالحسن يتحدث عن أموال سبق أن أصابها هو وغيره من بني عبد المطلب يريد الحسن أن لا يطالبهم معاوية، ولا ذكر لأموال يطلب من معاوية أن يدفعها إليه من قادم.
3 ـ الدماء : ويتضمن اتفاق الصلح بين الجانبين أن الناس كلهم آمنون لا يؤاخذ منهم أحد منهم بهفوة أو إحنه (عداوة)، ومما جاء في رواية البخاري أن الحسن قال لوفد معاوية.. وأن هذه الأمة عاثت في دمائها، فكفل الوفد للحسن العفو للجميع فيما أصابوا من الدماء، وقد تمّ الاتفاق على عدم مطالبة أحد بشيء في الماضي وهي قاعدة بالغة الأهمية تحول دون الالتفاف إلى الماضي وتركز على فتح صفحة جديدة تركز على الحاضر والمستقبل، وقد تمّ التوافق المبني على الالتزام والشرعية حيث تمّ الصلح على أساس العفو المطلق من كل ما كان بين الفريقين، قبل إبرام الصلح.
4 ـ ولاية العهد، أم ترك الأمر شورى بين المسلمين :قيل ومما اتفق الجانبان عليه من الشروط أن يكون الأمر من بعد معاوية للحسن، وإن معاوية وعد أن حدث به حدث والحسن حي يُسمينَّه وليجعلن الأمر إليه، ولكن ابن أكثم روى في هذا الخصوص عن الحسن إنه قال: إما ولاية الأمر من بعده، فما أنا بالراغب في ذلك ولو أردت هذا الأمر لم أسلمه، وجاء في نص الصلح الذي ذكره ابن حجر الهيثمي.. بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وهذا يرشدنا إلى أن روح ذلك العصر يشير إلى مبدأ اختيار الأمة للحاكم عن طريق الشورى هو الأصل وليس ولاية العهد وغيرها من الاختيارات التي لا أصل لها.
- أهم نتائج المصالحة :
1 ـ توحد الأمة تحت قيادة واحدة .
2 ـ عودة الفتوحات إلى ما كانت عليه .
3 ـ تفرغ الدولة للتنمية وإصلاح أحوال الناس وحل مشاكلهم .
4 ـ انتقال العاصمة الإسلامية إلى الشام.
5- سمي هذا العام (أربعين للهجرة) بعام الجماعة، وسجل في ذاكرة الأمة عام الجماعة وأصبح هذا الحدث من مفاخرها التي تزهو به على مر العصور.
بعد هذه الإطلالة السريعة على هذه المصالحة الخالدة أجد نفسي مجبراً على التفاؤل بأن المبادرة التوافقية (الخليجية) التي توافقت عليها أغلب الأطراف في اليمن قادرة على أن تبحر بنا إلى بر الأمان إذا ما تنازل الجميع عن مصالحهم الشخصية والآنية وأعتقد أن من مصلحة الجميع، أنظمة وأحزاباً وحركات وقبائل وغيرها، أن تسرع في إمضاء هذا التوافق لتقطع الطريق على أي تدخلات أجنبية أو وصفات مستعجلة ستثبت الأيام عقمها وعجزها عن إطلاق ديناميكية الإصلاح.
وأخيراً أدعو كل من في قلبه ذرة حب لهذا البلد أن يساهم في إنجاح هذا التوافق بعيداً عن الشخصنة والمصالح الآنية وأقل جهد يجب على كل يمني محب لهذا البلد المعطاء هو التوجه يوم 21 فبراير لاختيار المرشح التوافقي عبدربه منصور هادي لقيادة البلد للمرحلة الانتقالية, وليعلم الجميع أن هذا اليوم التاريخي هو اللبنة الأولى في بناء اليمن الجديد، وبإذن الله سيكون هذا العام عام الوحدة والتوحد وعامه الجماعة ,ولا ننسى تلك الدماء الزكية التي سالت في جميع ميادين الحرية والبناء والتي كان لها الفضل بعد الله في إظهار عظمة هذا الشعب الذي صبر حتى كلّ الصبر منه, ونؤكد أن هذه الدماء لم ولن تذهب هدراً كما يروج لذلك بعض المرجفين وأن ثمن تلك الدماء الطاهرة سيكون بناء يمن نفاخر به بين الأمم, وأن ذلك البناء أصبح اليوم قاب قوسين أو أدنى وإن غداً لناظره قريب.
alhag2020@gmail.com
محمد حسين الحاج
التوافق.. هل يُعيد التاريخ نفسه؟ 1716