اطلعت على مشروع قانون العدالة الانتقالية وليتني لم افعل، فبتدقييق في صياغته العامة أدركت أن واضعيه ركزوا على الجانب الشكلي منه وغاب عن أذهانهم موضوع القانون وهو الإنسان اليمني، ركز ـ وكثيراً كما توقعت ـ على الجانب المالي والشكل المؤسسي لإدارة القانون وكيفية الإدارة وشروط أعضاء الإدارة والممنوعين من الإدارة ـ خاصة العسكريين ـ وزمن القانون وكيفية التصفية بعد أربع سنوات للشكل القانوني،وكأني أقرأ مشروع إنشاء شركة تختص بكيفية إدارة مآسي اليمنيين لا بكيفية توفير العدالة لهم،هذا القانون برمته نظر للعدالة من ناحية مادية بحتة ولذلك كثرت فيه مصطلحات التعويض المالي ولم تذكر فيه ماهية العدالة الانتقالية، اختزلت كل مفاهيم العدالة في التعويض المدني إن وجدت مسوغاته..
إن واضعي هذا القانون نظروا للعدالة من خلال ثقافة الأشياء ونظروا للإنسان انه شيء والعدالة شيء، فكان مشروعهم شيئاً بعيداً عن العدالة التي ينشدها الإنسان.. ابتعد القانون عن فكرة العدل وكأني به يبحث لنفسه عن مكان داخل السلطة السياسية من خلال اختزاله لمفهوم العدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية فقط بأنها لا تعدوان تكون في نهاية الأمر تعويضاً مالياً، هذا القانون والعدم سواء، لأنه ليس مشروع قانون وطن بل مشروع مالي مكانه في القانون التجاري..
لست بحاجة للدخول في تفاصيل هذا المشروع، ففي عموميته ما يكفي للبكاء فكيف بتفاصيله، كنا نتوقع أن يكون هذا القانون بحجم الوطن ويرتقي إلى مستوى مفهوم العدالة الانتقالية وان تشترك في وضعه كل النخب الثورية والاجتماعية والسياسة وان يحمل هم وضعه وتنفيذه المجتمع ككل وليس تسعة انفرادياً وضعوا القانون، من الظلم أن تستبدلوا الإنسان بالمال ومن الظلم أن تستبدلوا القيم بالأشياء.. اليمن تستحق عدالة أفكار لا عدالة أصنام.
د/ عبدالله الحاضري
اليمن تستحق عدالة أفكار لا عدالة أصنام 1688