العدل أساس الحكم والظلم هو آفة الإنسان لأخيه الإنسان وآفة الشعوب فيما بينها وهذا ليس من الآن ولكن منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وسبب ذلك الأطماع البشرية التي لانهاية لها وتؤدي بدورها إلى الصراعات الدائمة ويسعى الإنسان إلى السيطرة على مقاليد الأمور عن طريق العدوان بمختلف أشكاله وصوره ولذلك كان من الضروري أن يحتاج الإنسان إلى القضاء منذ قديم الزمان ولا يتصور وجود حكومة في الأرض متنامية ومتقدمة وحضارية وتدَّعِي أنها مستغنية عن القضاء، لأن الضرورة الملحة تقتضي وجوده للفصل في المنازعات التي تحدث بين الأفراد والجماعات ولكي تُعَاد الحقوق إلى أصحابها ولإيقاف الظالم عند حده ولكي لا يطغى الإنسان على أخيه الإنسان كان لابد من القضاء قال تعالى:(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى? فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ? ).
ويُعتبر القضاء في الإسلام من أرفع الأعمال عند الله وأشرفها على الإطلاق وأخطرها مكانة، لأنه يحفظ الأنفس والحقوق ويحمي الأعراض، ذلك أن جميع السلطات تلجأ إليه وإذا كان ذلك هو شأن القضاء فكيف سيكون شأن القائمين عليه؟ ومن هم؟ وما هي حقوقهم؟ وهل يستطيعون أداء أعمالهم وإنصاف غيرهم والأخذ على يد الظالم وإرجاع الحقوق إلى ذويها وو... إلخ دون أن يُنصَفوا بحقوقهم ويُحْمَو في أنفسهم ومنازلهم ومقر أعمالهم؟!.. أمّا عن منهم فلا يخفى على أحد أنهم القضاة الذين يقضون بين الناس في الخصومات، فهم خلفاء الله في أرضه نذروا جميع أوقاتهم للعمل القضائي ابتداءً بالفصل في الخصومات أثناء الدوام الرسمي ومروراً بالاطلاع على محتويات الملفات المحجوزة أو الفصل في الدفوع والطلبات والاعتراضات أو الحكم ومعظم هذا العمل يقوم به القاضي في بيته ومقر إقامته وفي غير الدوام الرسمي، الأمر الذي يجعل القاضي يواصل دوامه الرسمي بغيره من وقت الراحة المخصص له مع أطفاله وأسرته وربما لا يجد لنفسه راحة حتى في النوم، لأنه يسهر الليل في التفكير عن حلول لقضايا مختلقة ومنها ذات الأمد الطويل وفي وضع الأسباب والحيثيات والمنطوق لهذه القضية أو تلك بما يتفق مع مواعيدها المحددة لها عند الحجز ومن يكون هذا حاله وذلك مآله كيف يستطيع إنصاف المظلومين وهو نفسه لم يُنصَف في حقوقه؟ فلا راتب مجزٍ يكفيه ويعينه على مواجهة أمور الحياة هو وأولاده وزوجته دونما رفاهية؟ وكيف يكون حاله وهو لا يُعطَى أبسط حقوقه مثل التأمين الصحي والبدلات والعلاوات السنوية والترقيات ؟ وكيف يستطيع تأدية واجبه وهو يعيش بين خوفين وربما ثلاثة ـ حسب ماقاله بعضهم ـ فالخوف الأول على نفسه في مقر عمله فلا يجد نفسه في مأمن من الاعتداء عليه بسبب عدم توفير الحماية الكاملة له من الدولة كما أنه لا يجد نفسه وأسرته في مأمن من الاعتداء عليهم في المنزل أما الخوف الثالث فهو أثناء تنقله بين البيت والعمل حيث يحتاج إلى حماية كاملة وعلى حساب الدولة ولا يخفى على الجميع الاعتداءات السابقة والمستمرة التي طالت القضاة وأعضاء النيابة ومساعدي القضاء (المحامين) ولا أدل على ذلك من لجوء أعضاء السلطة القضائية أخيراً إلى التعبير عن حقوقهم بواسطة الاحتجاجات والوقفات والاعتصامات التي يقومون بها على مستوى المحافظات وهم يحملون الشعارات الخاصة بهم وأيضا قيامهم بتعليق الأعمال في بعض المحاكم وكل هذا وذاك بسبب عدم إنصافهم وتلبية مطالبهم وعدم حمايتهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لجأ القضاة إلى المطالبة بحقوقهم عن طريق الوسائل التي اشرنا إليها آنفا؟ وهل كانوا في وضع حسن في عهد نظام (صالح) وساءت أوضاعهم الآن أم ماذا؟ والحقيقة ليس ذلك، فالقضاء هُمّشَ تماماً من قبل الحاكم ووصل إلى مرحلة يُرثَى لها خلال الثلاثة العقود الماضية والنيف، حيث لم يكن مستقلاً قضائياً ومالياً وإدارياً حسب ما هو منصوص عليه في الدستور وقانون السلطة القضائية وإنما كانت تبعيته للسلطة التنفيذية، فرئيس الدولة يجمع في كفه وبين يديه جميع السلطات بما في ذلك رئاسته لمجلس القضاء الأعلى وإذا كان الحال كذلك فكيف يستطيع القاضي أن يكون محايداً وقوياً في شخصيته وإرادته وحكمه وأيضاً عضو النيابة في عمله والقضاء غير مستقل، فرئيس الدولة هو من يملك تعيين القاضي وعزله وذلك ما سارت عليه الأنظمة الاستبدادية في الوطن العربي ومنها اليمن، فقد كان القاضي وعضو النيابة ممنوعان من المطالبة بحقوقهما أو التعبير عنها بواسطة الإعتصامات والمسيرات والتجمهرات والويل لمن يقوم بذلك ولم يقف الأمر عند ذلك فقد كان النظام الفاسد يضع علامة الاستفهام على القاضي النزيه الشريف المستقيم الذي يحافظ على سمعة القضاء وعلى الصلاة في أوقاتها ولا يقبل الوساطة، فيتم مراقبته من قبل النظام ويوصف بأنه ينتمي إلى المعارضة وربما لا يُرَقّى ولا يُعطَى حقوقه ومنهم مَنْ عُزِل أو قُوعِد أو سُكِتَ عنه في الحركات القضائية أو يبقى في منزله، لأنه لم يرفع سماعة التلفون ولم ينفذ توجيهات الحاكم وأزلامه، فقد كان هذا هو حال القضاة وأعضاء النيابة في اليمن، لكن بركة الثورة الشبابية السلمية الشعبية كسرت حاجز الخوف عند اليمنيين بشكل عام وأعضاء السلطة القضائية بشكل خاص، كما أنها حققت أهم أهدافها بتغيير النظام سلمياً وأصبح المواطن اليمني يُعبّر عن حقوقه المشروعة بكل حرية، فهاهم القضاة وأعضاء النيابة يُجبِرُون مجلس القضاء الأعلى وحكومة الوفاق على الاجتماعات المفاجئة والطارئة للنظر في مطالبهم وتوفير الحماية اللازمة لهم.. ماذا حدث ؟ هل حُلْم أم حقيقة ؟ فقد كان القاضي لايجرؤ على المطالبة بحقوقه المشروعة، كما لايجرؤا على التصريح لوسائل الإعلام تحت أي مسمى ومن غامر وتجرأ على ذلك فيعتبر نفسه معزولاً ومحالاً للمسائلة، لكنه اليوم وببركة الثورة الشبابية أصبح يُعبّر عن رأيه ومطالبه وحقوقه في جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة وهذا ما نشاهده حاصلاً كل أسبوع وحتى لا نخرج عن الموضوع ولكي تُحفظ حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم والأموال العامة والخاصة ولكي تنهض اليمن لتلحق بركب الدول المتقدمة والحضارية فلابد أن تهتم الدولة بحقوق أعضاء السلطة القضائية وتوفر لهم كافة مطالبهم السالف بيانها بما في ذلك توفير السيارات لرؤساء المحاكم الذين لم تصرف لهم، فكم نشاهد العديد منهم بلا سيارات منذ ثلاث إلى أربع سنوات توليهم رئاسة المحاكم وذنبهم أنهم لم يكن عندهم وساطة نافذة لدى نظام (الحاكم) المنتهية ولايته ولذلك فقد تعرض بعضهم للاعتداءات أثناء تنقلاتهم على الباصات وتكاسي الأجرة، الأمر الذي يجعل القاضي في غير مأمن ويقلل من هيبة القضاء وبالتالي فلا يأمن القاضي على نفسه وعلى ملفات المتقاضين أثناء ذهابه وإيابه من وإلى المحكمة ولا نعتقد أن هناك مانعاً لدى أعضاء السلطة القضائية من الرقابة عليهم ومحاسبتهم عن أي خطأ أو مخالفة منهم للقوانين الإجرائية والموضوعية أو غير ذلك ولكن بعد توفير حقوقهم واستقلالهم استقلالا فعلياً مالياً وقضائياً وإدارياً وتوفير الحماية لهم ونحن نهيب بالإخوة القضاة الذين بيدهم مصدر القرار في مجلس القضاء وفي وزارة العدل وفي المحكمة العليا ممن كانوا يتبعون (الحاكم) وحصلوا على حقوقهم كاملة أثناء توليهم أن يتقوا الله في أنفسهم وليبادروا إلى الاستجابة لمطالب زملائهم القضاة العاملين في مختلف المحاكم وليعطوهم حقوقهم المكفولة لهم بالدستور والقانون، كما نهيب بالحكومة ممثلة بوزارة الداخلية بتوفير الحماية الكاملة لأعضاء السلطة القضائية والمحامين وقبل هذا وذاك نهيب بالأخ نائب الرئيس (هادي) المنقولة له صلاحية الرئيس والذي سيكون رئيساً منتخباً لليمن في 21/فبراير الجاري أن يهتم بالقضاء والقضاة، لأنه بصلاحهم وتوفير حقوقهم صلاح لليمن ولمؤسسات الدولة المختلفة، فالقضاء بالنسبة للدولة بمثابة القلب من الجسد وعندما نتحدث عن حقوق القضاة وحمايتهم فنعني بذلك أيضاً إخواننا رؤساء ووكلاء وأعضاء النيابة العامة، فكلهم يحملون رسالة سامية وهموم المجتمع وكَمْ تألمنا وتألم المجتمع من الاعتداءات المختلفة التي وقعت في الأشهر الماضية وعددها (67) حالة منها (23) حالة علَى أعضاء النيابة و(44)حالة على القضاة، تنوعت بين قتل وشروع بقتل واختطاف وإطلاق نار وتقطع ونذكر من بين هذه الاعتداءات على سبيل المثال: تقطعاً للقاضي حمود علي مرشد ـ عضو محكمة استئناف المحويت ـ وقتله من قبل مجهولين وإحراق سيارة وكيل نيابة غرب إب القاضي/ ربيع حمود والاستيلاء على سيارة عميد المعهد العالي للقضاء والاعتداء المقيت على رئيس محكمة بُرع الابتدائية القاضي/ أحمد الوافي وعضو نيابة باجل وإصابتهما بالجراح، كما تم إلقاء قنبلة يدوية وإطلاق نار على منزل رئيس نيابة الأموال بالمحافظة القاضي/ إسحاق محمد صلاح، مما أدى إلى إحداث أضرار بالغة بمنزله وكل هذه الاعتداءات من قبل العناصر الإجرامية الخارجة على النظام والقانون وقد أعلن المحامون تضامنهم المستمر والدائم مع القضاة.
وما ذكرناه آنفاً غيض من فيض وكُلّنا أمل برئيس الجمهورية الجديد (هادي) وحكومة الوفاق ومجلس القضاء أن يعيدوا للقضاء هيبته ويوفروا للقضاة والنيابة مطالبهم وحقوقهم وحمايتهم، لاسيما واليمن اليوم ليست يمن الأمس بل اليمن الجديد.. المجد والخلود للثورة الشبابية والشفاء لجرحاها والرحمة للشهداء.
المحامي/ أحمد محمد نعمان
مَنْ يَنْصِفُ القُضَاَةَ وأعضاء َالنّيَابَةَ فِي مَطًَالِبِهِم وَيَحْمِيْهِم؟ 1765