"جميل أن يموت الإنسان من أجل الحب، لكن الأجمل أن يحيى من أجل من يحب".
نحن للماضي كل يوم، لطفولتنا الجميلة، لتلك العاطفة التي سبحنا خلالها في محيط أسرتنا وجيراننا ومجتمعنا، حتى وصلنا إلى شاطئ شبابنا، و لا زلنا نحمل تلك المشاعر الرائعة التي اكتسبتاها في ظل الحب الذي نشأنا فيه وتلك الحياة الحلوة، التي تذوقنا حلاوتها مع كل قطعة خبز جافة أو قطعة لحم شهية.
لم نهتم بنوع الطعام لأن كل شيء في حياتنا كان جميلاً، تنبع حلاوته من القلوب البيضاء التي رعتنا وأغرقتنا في طفولة مثالية، لا تتأثر مثاليتها بمستوى المعيشة أو الدخل, فهذه المسميات لم نكن نستوعبها بعد.
مرت علينا تلك الأيام مسرعة أو بالأصح خدعتنا حلاوتها، حيث أسرعت السنين، لتحط بنا الرحال، في عالم فُقدت مثاليته، وضاعت معاني الحب من أناسه، وتاهت العاطفة الوطنية بين أسماء وهمية، زادت في صنع المسافات بين مكونات المجتمع الذي كان رائعاً.
ازدادت المسافات بين مكونات المجتمع وأطيافه،بينما نحن منشغلون بالبحث عن ماضينا أو قليلاً من العاطفة التي كانت تلون شوارع المدن وتضفي عليها السكينة رغم وحشة الظلمة وشدتها.
عظمة المسافات بين أحزابنا السياسية،وحاول كل طرف أن يبني حدوداً خراسانية وان يقويها بمعدات وقطع حديدية بعضها تقذف بنيران الكراهية، لتحرق بعض المعالم التي نسترشد بها في بحثنا عن العاطفة المفقودة.
لم نعر تلك الحدود أي اهتمام وخرجنا نبحث في تلك المنطقة التي أحرقت فيها العاطفة وذبحت أواصل المحبة بين مجتمع عاث فيه الجهل كثيراً،وتغلغل الفساد بسهولة حين انشغلت العقول المتنورة بالمماحكات السياسية وصنع الأزمات وزيادة الفرقة، ظناً من كل طرف أن الصواب والحق في جهته، مما كان يزيد في ارتكاب الأخطاء ويكثر من ضحايا تردي الأوضاع المعيشية والفقر المتزايد.
استمرينا بالبحث وسط ركام المعركة عن بعض العاطفة، كنا نبحث في صحراء يظن الضمآن فيها ماء،حتى إذا أتاها لم يجده شيئاً.
وبينما نحن كذلك إذ بنيران الكراهية"الجاهلية" تتساقط علينا من كل حدب وصوب، أزهقت الأرواح الباحثة عن الحب من كلا الطرفين، سالت وديان من الدماء الزكية الطاهرة العامرة بالحب.
أشلاء مبعثرة في كل مكان، أنين جرحى وصراخ ألم يهز الأرض بصواعق تخطف الأبصار، لتتوقف النيران، وتتضح حجم الكارثة التي صنعت، صخوراً سوداء، وأرضاً حمراء، جثث متناثرة وبعض الحركة هنا،أو بعض الأنين والتوجع هناك.
سادت الضبابية الموقف وتلعثمت العقول قبل الألسن،ليبحث الجميع عن شيء مفقود، لكنه أمل الجميع لإيقاف حمام الدم ونيران الكراهية والفرقة التي أشعلت بقصد أو بدون ذلك.
لا استطيع أن أصف ماذا حدث بعد ذلك، فالرواية كنت صعبة وسط الضبابية التي حجبت عنى بعض الأحدث والتحركات وإن كنا نسمع بأن مبادرة أو اتفاق توافق عليه الجميع وسط تشجيع ودعم إقليمي ودولي.
لم نهتم بهذا الأمر،بل حاولنا البحث عن العاطفة أو ما تبقى منها في قلوبنا بعد أن أحرقت بنيران الكراهية، تلمس بعضنا بعض،دون جدوى فالضبابية تعم المكان والزمان معاً.
وفي أثناء بحثنا كانت دماء الشهداء تتغلغل في الرمال أو التراب المحترق تشق طريقها نحو أعماق الأرض المحتفظة ببعض طيبها، لتتشرب ارض وطننا دماء طاهرة تدفقت من قلوب عامرة بالمحبة و العاطفة، فأنبتت عاطفة جديدة تشق طريقها للنور وسط ركام المعركة ومن بين أشلاء الشهداء.
جرفتنا في برهة من الزمن بعض النيران المرتدة وسط قانون الانعكاس كرد فعل لبعض البنود المتفق عليها والتي قدم خلالها كل الأطراف تنازلات متفاوتة، حرصاً من الجميع على الحفاظ على ما تبقى من الأرضية المشتركة للوطن الذي يتسع للجميع.
نظرنا للجوانب السلبية فقط وتعاهدنا بالوفاء لدماء شهداءنا، والتي كانت تشق طريقها للنور،ومع بعض الانفراج، تسللت بعض جزيئات النور لتقبل الأرض بشوق العشاق وبلهفة المفارق المجبر تتسارع مشاعر المحبة وإن كانت خافتة لتدوب فينا من جديد وتظهر بعض المعالم للعاطفة التي نفتقدها من أيام الماضي.
تلاشت بعض الضبابية التي كانت تكتم أنفسنا واتضحت لنا بعض المعالم الجيدة في الاتفاقية مع رفضنا أو قبولنا بها.
الجانب الإيجابي والذي يجعل من الانتخابات الرئاسية في 21 من فبراير بدائية جديدة أكثر من كونها نهائية.
وصار القرار الآن ملكنا نحن وبخيارين لا ثالث لهما:
الأول - إما أن نعود إلى احد معسكرات التفرق و حدود التحزب الضيقة،وتعود بذلك الأمور للتأزم من جديد بين الأطراف ونكون نحن ضحيتها مرة أخرى.
الثاني - أو الوفاء بعهودنا لدماء الشهداء وحفاظنا على تلك الأرضية المشتركة التي أنبتت فيها ثمار الدماء التي سالت من أجل العاطفة والمشاعر العظيمة التي نبحث عنها لنعيش بعض سعادات الماضي.
إن التضحية الكبيرة التي قدمها الشهداء حتى وصلنا إلى هذه المرحلة المتقدمة من النجاح والتوافق، توجب علينا القيام بأعظم عمل نقوم به وهو الحفاظ على ثمار تضحياتهم بتنمية جوانب المحبة والتقارب بين الأطراف المتوافقة وأن نهيء لهم الأرض المشتركة لتسهيل تحلحل خلافاتهم السياسية،وأن نكون على مستوى التضحية التي قدمها الشهداء بأن نجعل من دماءنا سقياً لأرض التوافق، كلما حاول الجفاف أن يغزوها، وأن نشكل القوة الضاغطة على جميع الأطراف من أجل النأي بالوطن عن أثار الخلافات السابقة وتوسيع التوافقات القادمة.
وعلينا أن نعلم علم اليقين أن كل الأطراف السياسية في المؤتمر والمشترك وكل قواعدها قد استفادوا من ماضيهم التوافقي ـ ولتناحري، وعرفوا مواطن القوة والضعف والتي لن يقعوا فيها مجدداً، لنعمل إذاً معاً بعد ذلك لحل أكبر مشكلتين نمت في زمن الخلافات وهي القضية الجنوبية وقضية صعده ولن تستطيع القوى السياسية ـ أحزاب وحراك وحوثي وأطياف أخرى ـ من حل هذه المشاكل دون إرادة المحبة التي نبحث عنها نحن ونفتقدها من الماضي.
علينا جميعاً إذاً وبالذات نحن الشباب ـ مستقلين ومتحزبين ـ أن نكون القوة التي تنجح الانتخابات الرئاسية وتفشل المخططات الإجرامية التي تحاك لنا من أطراف عديدة يحسبها البعض صديقة وهي تزرع سمومها في الأرض التي حررها الشباب بدمائهم كمنطقة يضع الجميع عليها أوراقهم.
وعلينا أن نسابق الزمان ونستعيد المحبة التي كانت بيننا ونصل بعض ما قطع بفعل التأزم.
أنني أشتاق لوصل حبيبي وصديقي الغالي المؤتمري لنذهب معاً بصحبة جارنا الحبيب الشيعي لحضور زفاف زميلنا الغالي في الجنوب الحراكي.
وخلال رحلتنا ننثر تحياتنا على كل نقاط الأمن المركزي والحرس الجمهوري الذين يحرصون على الوطن ويضحون أكثر منا، ونبعث ابتساماتنا لأبطال الجيش الوطني المرابطين في جبهات الوطن المتعددة.
لننثر الحب و مشاعر الأخوة والوحدة وعاطفة الوطنية ولنتخذ القرار الصحيح.
سنشارك في الانتخابات الرئاسية ونرشح رئيس الوفاق الوطني عبد ربه منصور هادي في يوم 21 من فبراير،لنوفي لشهدائنا الأبطال ونكون خير ما يقال عنا حينئذٍ" جميل أن يموت الإنسان من أجل الحب، لكن الأجمل أن يحيى من أجل من يحب.
وحبيبنا جميعاً هو اليمن وبنفس العاطفة التي غنى بها نجوم ومنشدون وفنانون أغنية "سوا نبنيها" أختم مقالي الطويل بأخر أبيات لأغنيتهم.
أحناء البدر الذي نوره يحنيها....وحنا ألي لما تزعل نراضيها
وحنا المستقبل والحاضر فيها...والعصفور إلي يطرب بواديها
مع إهدائي لكلماتي لكل مبدع منهم، "لصاحب أو صاحبة" الابتسامة الساحرة والحركات الجميلة و التلويحة الراقية و التي نودع بها ماضي بكل أحزانه، و بنفس المشاعر ننظر للمستقبل.
شكراً لكم جميعاً على هذا الفن العاطفي الوطني الرائع !!
وسوا نبني اليمن،ونحميها بعون الله.
mthyemen@gmail.com
معاذ راجح
شباب يعيش بالحب بعد أن ضاع بين الأحزاب والطوائف 2391