شخصياً لست أجد سبباً واحداً يفسر إصرار أشخاص على الدفع بحزب بحجم المؤتمر الشعبي العام إلى الانتحار، لكنني أجد أن اليمن يحتاج اليوم من المنظومة الحزبية اليمنية برمتها بغض النظر عن مأخذنا تجاهها أن تستشعر مسئولياتها التاريخية تجاه الوطن وتجاه بعضها البعض من أجل السير نحو يمن آمن للأجيال القادمة بعيداً عن متاريس التربص.
أجد أن المؤتمر الشعبي العام وحلفائه بحاجة جادة اليوم إلى مراجعة سياستهم بكل ثقة دون منِّ أو أذى، فيقفون إلى جانب نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي بمسئولية وصدق مع النفس باعتباره رجل المرحلة بكل إرهاصاتها وأوجاعها وهو من يعول عليه إلى جانب حكومة الوفاق انتشال الوطن من الهوة السحيقة التي انحدر إليها طيلة الأشهر الماضية.
وفي ظروف كهذه على المؤتمريين أن يدركوا حقيقة كون هادي صار رجل المؤتمر الأقدر على لملمة واقع تنظيمي ثمة من يدفع به قسراً نحو الانتحار بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ ودلالات كانت حاضرة بقوة في المشهد العربي في تونس ومصر وليبيا وهي حاضرة أيضاً في سوريا.
وكشخص لم ينتمِ يوماً للمؤتمر أجد أن أسباب كبيرة توجب على المؤتمر الشعبي العام كحزب أن يقف إلى جانب هادي داعماً وحاشداً ومناصراً من أجل مستقبل آمن لأجيال المؤتمر القادمة التي تؤمن أنه ينبغي أن يعطى للمؤتمر الذي أسسه جيل من الرواد ـ أمثال الأستاذ عبد العزيز عبد الغني رحمه الله والدكتور احمد الأصبحي والأستاذ عبد السلام العنسي أطال الله عمريهما وآخرين ـ فرصة عادلة للبقاء لا الدفع به نحو الانتحار محاطاً بأحزاب وشخوص تدور في فلكه كفراشات صغيرة تعشق الانتحار على اللهب بقوة.
وفي لحظات حرجة كهذه يعيشها الوطن من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب دفعة واحدة متشبثاً بخيط أمل ركيك فإن على المؤتمر أن يدرك أن تبادل الاتهامات والبكاء على أطلال التفرد يبدو فعلاً مستهجناً على نطاق أوسع، عوضا عن النظر إليه على كونه أفعالاً تخريبية تستهدف نسف اللحظات التاريخية التي أنتصر فيها المؤتمر الشعبي العام لإرادته في الرياض عشية التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أمام مرأى ومسمع العالم
وليس المؤتمر وحده من يتحمل المسئولية التاريخية في راهن الشعب والوطن لكن أحزاب المشترك التي اجتمعت على نقائض أيدلوجياتها وسياساتها وأفكارها اليمينية واليسارية والقومية، مطالبة كذلك ببذل جهود صادقة وحقيقية في عملية انتشال الوطن والشعب من الهاوية السحيقة التي كسرت الأضلع وأدمت الجسم ونزعت الجلد،والسير نحو يمن آمن للأجيال القادمة.
فالمشترك وشركاؤه مطالبون اليوم ـ شعبياً وتاريخياً وسياسياً ـ الوقوف من أجل تحقيق تطلعات الشعب اليمني بكل شبابه و فئاته وأحزابه، بعيداً عن سياسة “رد الصاع بصاعيين “ تلك السياسية التي أوشكت راهنا أن تحيل الأرض تحت أقدام اليمنيين ألغاماً ومتفجرات.
على المشترك اليوم أن يدرك أن السير بذات الطريقة التي أعلن جيل اليمن الراهن رفضها أمر سيستوجب على أجيال اليمن الحاضرة والقادمة رفضها أيضاً والوقوف صفاً واحداً ضدها، ولن يسهم السير بذات الطريقة في إيجاد يمن آمن للأجيال الحاضرة والقادمة.
إن “التحالف الحاكم اليوم” هي الصيغة السياسية التي ينبغي أن تسود في التعاطي مع الشأن الوطني من أجل انتشال الوطن من هاوية تدحرج فيها بخشونة طيلة عام مضى،وعلى هذا التحالف أن يسير قدماً بعيداً عن التسميات الحاضرة والسابق سردها في هذه الأسطر والتي تشبه تماماً المتارس والسواتر الترابية التي جثمت على أنفاس اليمنيين فقوضت أمنهم وبدلت سكينتهم قلقاً ورعباً.
ولعلى ذلك ما ينبغي على الجميع فعله من أجل الوطن وليس من أجل تقاسم المناصب
فاروق مقبل الكمالي
اليمن الجديد 1832