من الزواج السياحي إلى الزواج السياسي، ومن المشيخة واحترام الكلمة إلى البلطجة واحتراف القرصنة، ومن العلم والثقافة إلى التضليل والإرباك والسخافة، من قطع للصلاة وجهل بالدين وأحكامه الشرعية إلى التصدر للفتوى والعمل بالتزكية والرقية، من الجهل المشين إلى التهكم بعلماء الدين.. أمور كثيرة تصيب المتابع بالحيرة والقلق، ما الذي يحدث؟ وماذا جرى؟ وما هذا الانقلاب الرهيب في مستوى القيم واحترام النفس وتقديس المبدأ الشرعي ثم العرفي بما لا يخالف الشرع والقانون؟
هذا شيخ بن شيخ، من أسرة ثائرة مشهود لها بالمشيخة، والمشيخة في عرف القبيلة لا تعني التسلط بقدر ما تعني القيام بدور إنصاف المظلوم وردع الظالم والأخذ على يده، وتوجيه الرعاع، ورعاية مصالح المجتمع، وحماية الكلمة/ المصطلح العرفي من الانهيار، فالعيب الأسود معروف ولا يمكن الاقتراب منه أو مما يسببه، والكلمة دين في عنق الرجال يلزم الوفاء بها ما لم تكن في خطأ لم يكن يعرف قبل النطق بها، فما بال الشيخ أو الفرد ينتمي إلى أسرة مشيخية ثم لا يحترم نفسه أولاً و لا أسرته ثانياً و لا مركزه الاجتماعي أو القانوني، فتجده مسيراً لا مخيراً وإن كان مخيراً ففي أمور لا تحمد عقباها من الطيش والتسرع وحب الذات والأنانية، يسير بالتلفون و لا عيب إن كان التسيير على الحق والهدى، يتستر على القاتل ويطرد أولياء المقتول، يعطف على الظالم ويتجبر على المظلوم، يقطع الطريق، ويسطو على الأرض، وينهب المسافر!! أليس هذا عجباً؟ ألم يربه أبوه وأهله على قيم القبيلة، فضلاً عن قيم المشيخة التي تلزمه عكس ما يفعل؟؟. أليس من الواجب أن تتحول المشيخة إلى انتخاب عوضاً عن التوريث؟؟؟
هذا المثقف كما يسمي نفسه ويصفه غيره، نال الشهادة العليا والمركز العلمي المرموق، احترمه الناس لآرائه التي كان يصدح بها، منادياً بالتغيير إلى الأفضل ومبيناً أوجه قصور لا تحتاج إلى بيان بقدر ما كان له فضل بيان فلسفتها بحكم تخصصه وتعلمه وثقافته، يصير عبداً للفضائية يتصدر الحديث ويشرع ويقنن وهلمَّ جرا، سخَّر نفسه ليكون سخرية التاريخ إن لم يلتفت لأمره، أما طلابه فقد سخروا منه إذ قُتِلوا في كل الساحات ولم تصدر له أنَّةٌ أو زفرة حرقة وألم.
ذلك الصحفي المرموق والناشط السياسي حولته وسائل إعلام إلى بطل قومي أو كادت، ناضل معه زملاؤه الصحافيون، ليكون مساهماً اليوم في التضليل وبث روح التفرقة بمسميات عديدة.
أما ذلك الحبيب الثوري يظهر وكأنه بطل الساحة وأسد المعركة ورجل المرحلة وهو يستطيع ذلك لولا أنه يخشى عليه من سرعة تَفَلُّتِه مما كان عليه، لم يلتفت إلى القتلى في الحروب المشؤمة الستة، فالضحايا ربما خُطِّطَ لهم لينالوا عقاب شجاعتهم سواءً أكانوا من الجيش النظامي أم من المناوئين للنظام حينئذ، ما باله اليوم يطل بقرنه بين الحين والآخر يظهر بطولته في جانب مغاير لما كان عليه بالأمس مع أن مازالت كما هي لم تتغير بل تتطلب التكاتف والبحث عن الطريق المشرق بعيداً عن حسابات سلالية أو عرقية ضيقة مقيتة.
هذا الضابط أقسم يميناً ملزمةً له بالوفاء للوطن ولأبنائه، فإذا الوفاء له مفاهيم شتى فمنها: قصف أرحب ونهم، ومنها تدمير تعز، ومنها انتهاك الحصبة، ومنها احتجاز ناقلات المشتقات النفطية أو حماية من يتقطع لها، ومنها اختطاف المواطنين وانتهاك حرماتهم.. أهذه نقاط جغرافية ومكانية وسكانية لا تنتمي إلى الوطن؟؟!! أهؤلاء الضحايا ليسوا بشراً قبل أن يكونوا يمنيين؟؟!! من هو الوطن في مفهومكم ؟ومن هو المواطن؟ وما هي الوطنية؟
أما علماء اليمن فهم شماعة أخطاء الممارسات السياسية إن تحركوا صُبَّت عليهم الإساءات صباً، وممن ؟؟!! من صحافي، أو كاتب، أو قاطع صلاة، أو مذيع، ليس انتقاصاً لهؤلاء، لكنهم ليسوا علماء ليكونوا هم من يتولى الرد، إن كان هناك ما يتطلب الرد من أصله، الرد، وليس التجريح، والتخوين، والسب في الشات المعروض على القنوات الفضائية، في الصحف التي انتشرت انتشار الذباب في القذارة، وليس غريباً أن يكون علماء اليمن غرباء في بلادهم، فعلماء اليمن لا يريدون ظهوراً، ولا يُرادُ لهم ظهور ولا حضور، فابن الأمير، والشوكاني، وابن الوزير صاحب كتاب: إيثار الحق على الخلق، أوذوا وطوردوا، ولم تنشر مؤلفاتهم من قبل أبناء اليمن أو أي دولة يمنية، واليوم لم نسمع أن الدولة تبنت يوماً مشروع نشر مؤلفات عالم من علماء اليمن، إلا ما قيل عن تحقيق ونشر بعض كتب نشوان الحميري، لأنه ليس يتسع المجال إلا لأمرٍ واحد هو: التقديس والتسبيح بأمر الحاكم، واصنع ما شئت بالبلاد والعباد.
أضحت لدينا وسائل إعلامية تبدو وكأنها متخصصة في الإساءة المتتابعة والمستمرة لعلماء اليمن ولعلماء من خارج اليمن القضية ليست من أي مواطن إنما هو العالم بل لماذا التجرؤ، فإذا طلبت من أحدهم أن يبحث عن عمل في ( صالون حلاقة) سيجيب عليك بسرعة البرق لا أعرف الحلاقة، فكن (طباخاً ) سيقول: لست طباخاً ولا أجيد الطبخ، وإن أصررت عليه فسيقول لك أحتاج إلى التدريب والتأهيل والممارسة مع خبراء المطابخ أو الحلاقة أو حتى (البنشر)، أما التحدث في الفتاوى وإصدار التهكمات بعلماء الإسلام فهذا أسهل ما يكون عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقديماً قال آباؤنا: إذا غضب الله على قوم عقَّلوا جاهلهم، للأسف ينضم إلى حملة الترويج والتشويه حملة أقلام صحفية كان يُظَنُّ بهم البطولة.
قبل سنوات انتشرت شائعات عرفت باسم الزواج السياحي، اليوم وبعد مرور سنة على مسيرة ثورة الشعب السليمة ظهر أن لها امتداداً يغفله الناس وهو الزواج السياسي علماً بأن المثل الشعبي اليمني لم يغفل من حساباته هذا البعد السياسي في أغراض وأهداف الزواج فقال: إذا قَلَّت رجالك ناسبت) إذا كان أولادك أو الرجال الذين تستطيع الاعتماد عليهم قليل ولديك من البنات فناسب من تستعين بهم.. زوِّج زواجاً له أهداف أخرى غير الأهداف التي يعلمها الناس وهي إقامة شريعة الله وطلب الشهوة الحلال والتناسل وتعميق الروابط الاجتماعية ونحو هذا من الأهداف النبيلة. لم يعد الزواج في ممارسات السياسيين سلوكاً اجتماعياً بشرياً قننته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية في مختلف أرجاء الكون، ناسِب قبيلة ثم اركب وَوَطِّف،( الوطاف = ما يوضع على الدابة من قماش أو جلد محشو بالتبن أو نحوه لئلا يتأذى الراكب، و لا تتأذى الدابة إن حُمِل عليها شيء من المتاع) ولا تبالِ بنوع الوطاف فالموَطَّف لن يشعر به فقد نسي ذاته أو ذابت، قد يكون في هذا ظلم للمرأة إذ لا ذنب لها والأمر كذلك ونحن لا نناقش الموضوع من وجهة المرأة بل من وجهة استغلالها لتكون ذريعة لكسب القبيلة والسياسة والعسكرة ونحوها من الأغراض والأهداف، إلا أن من غير الواضح ما إذا كان مؤنسات العيال ( عيال الحكم) يشاركن مؤنسيهم في القرار فقديما قيل: ونيس الليل غلب ونيس النهار، تهانينا.
د. أمين عبدالله اليزيدي
حتى لا نضل طريقنا 2056