خلال عام 2011 مرت حالة الاستثمارات في أوروبا في حالة هي الأسوأ، حيث يعزو ذلك إلى الأداء الاقتصادي الضعيف في مختلف أرجاء القارة، ولأزمة منطقة اليورو على وجه التحديد، لقد شهدت أوروبا نمواً متواضعاً في الربع الأول من عام 2011 وصحبه بعد ذلك بطء شديد، والتوقعات كانت تشير إلى عودة الركود في 2012، ما يلوح في الأفق أن أزمة الديون بعيدة كل البعد من نهايتها.
وفي نهاية عام 2011 وبدلاً من أن يتفق الأوروبيون على إنشاء صندوق إنقاذ ضخم ولافتقارهم للسيولة النقدية الكافية، أكدوا على اتحاد نقدي أكثر تشدداً، أملاً في إعطاء المركزي الأوروبي ثقة في التدخل وتقديم الدعم لسوق السندات الحكومي، لكن لا تزال أوروبا في بداية ذلك الطريق الذي ينتهي بإصدار دين عام لمجموع الدول الـ"27" التي تكون الاتحاد وربما تبرز العديد من الأخطاء قبل بلوغ تلك النهاية.
لقد بدأ ظهور الخطر في يناير من عام 2011 عندما خططت حكومات منطقة اليورو لإصدار حائط يحميها من الديون وتلا ذلك المفاوضات المشحونة حول هيكلة ديون اليونان، حيث اتفق قادة منطقة اليورو وشركات الائتمان الكبرى على أن يتم خفض السندات بنسبة 50% لكن لم يكتمل العمل في آليات الهيكلة، وربما تحاول اليونان الحصول على اتفاقية أفضل لكن هناك بعض الضغوط بهدف التوصل إلى اتفاق قبل شهر مارس المقبل، الوقت الذي يصادف موعد تسديد اليونان لسند بنحو 4.4 مليار يورو (18.7 مليار دولار).
وفيما يخص الأصول على اختلاف أنواعها على المستثمرين توقع تقلبات في أسعارها مصحوبة بعدم اليقين.. وعلى صعيد السندات فإن سندات الحكومات الأوروبية أكثر المتأثرين من الأزمة حتى الآن، بيد إنها تملك بيئة تمتزج بشيء من التفاؤل والتشاؤم وربما يتميز أداء سندات دول منطقة اليورو، الفئة التي قد تشمل إيطاليا الآن ثالث أكبر اقتصاد في المنطقة بتقلبات كبيرة وعلى الرغم من الأرباح المغرية فإن الاستثمارات لا تخلو من المخاطر ومن أكبر المخاطر توقف التمويل فجأة عن إيطاليا، الشيء الذي حاول البنك المركزي الأوروبي التصدي له عبر برنامج لشراء السندات، وضخ كميات كبيرة من السيولة في النظام المصرفي، لكن يشك العديد من المحللين في أن تقوم البنوك بالاستحواذ على هذه الأموال ومن ثم تمويل إيطاليا ويمارس المنظمون ضغوطاً على هؤلاء المحللين لتقليل تعرضهم على دول منطقة اليورو الطرفية بدلاً من زيادته وواحد من عوامل أزمة الديون المثير للقلق حتى الآن مدى مقدرة اليورو على الصمود في ظل كل هذه المخاوف المتعلقة بحل منظومة اليورو.
ولم تخل العملة الموحدة في الارتفاع والانخفاض بين الفينة والأخرى، حيث توضح ذلك عوامل قليلة من المبالغة في مدى التخوف من احتمال فض اتحاد اليورو، وتائر أسعار العملة بعوامل مختلفة مثل فروق أسعار الفائدة، سواء كانت هناك أزمة أم لا، وحتى بعد جولة خفض الأسعار، لا يزال سعر المركزي الأوروبي المستهدف أعلى من نظيره الاحتياطي الفيدرالي.
ومن العوامل الخفية استمرار الشركات والبنوك الأوروبية في استعاده الأصول من الخارج، مما يساعد على تعويض حالة الهجرة التي تميزت بها في الماضي وتمثلت هذه الهجرة من الجنوب إلى الشمال، حيث بدأ المستثمرون في الخروج من اليونان ليتركزوا في ألمانيا وهولندا.
وما يتوقعه الجميع في العالم الحالي عودة الركود للمنظمة مرة أخرى، وفي حالة عودته بشدة ربما يلجأ المركزي الأوروبي للمزيد في عمليات خفض الأسعار أو لأكثر من ذلك في تبني سياسية التيسير النقدي بشراء سندات لتوفير محفزات نقدية لإنعاش الاقتصاد ويقود ذلك إلى القضاء على سمة سعر الفائدة التي تميز بها اليورو على الدولار وبالطبع ليس المركزي الأوروبي هو الوحيد الذي تنتابه مثل هذه المخاوف، حيث أنه وفي حالة قيام الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بجولة ثالثة من برنامج سياسية التيسير النقدي، فمن المتوقع أن ينعكس اتجاه الضغوط وفي غالب الأمر يتطلب عملية تداول الدولار واليورو الكثير من الحذر.
وفيما يتعلق بالأسهم يأمل المستثمرون الأوروبيون أن يكون ما حدث في 2011 مجرد حلم عابر ومن المتوقع أن يكون الأداء الاقتصادي المحلي سيئاً، لكن تعتبر الشركات الأوروبية الكبيرة العاملة في المؤشرات الرئيسية من المشاركين العالميين الكبار، حيث يمكنها الاستفادة من المستقبل الأكثر إشراقاً في آسيا وحتى في أمريكا.
ويرى الخبراء أن بقية العالم في وضع أفضل، حيث أن الركود أوروبي وليس عالمي، وعلى الجانب السلبي أضرت أزمة الديون كثيراً بقطاع الأسهم، نظراً لعدم مغامرة المستثمرين فيها كلما اشتدت الأزمة واتضح ذلك جلياً عند دخول إيطاليا في أزمة حقيقية.
هامش:
1- الاتحاد الاقتصادي 11/1/2012
2- الاتحاد الاقتصادي 8/1/2012
3- الاتحاد الاقتصادي 3/1/2012
د.علي الفقيه
تراجع الاستثمارات في القارة (العجوز) الأوروبية 2027