ابتسمت توكل كرمان في فبراير من العام الماضي مع باقي الشباب اليمني وهي مازالت تعبر عن ابتسامتها الرائعة التي زرعت الأمل في نفوس كل اليمنيين وإعادة الطموح في بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة.
وكان آخر تعبير لإحدى مفردات هذه الابتسامة الشابة التي تأتي في إطار من الحداثة والتطوير يناسب العصر، ما عبرت عنه في حوارها مع قناة سهيل بقولها" إن الشريعة الإسلامية هي عقيدة ومصدر إلهام للأمة "وهي بذلك تكون قد عكست أهم ملامح الدولة المدنية اليمنية الحديثة وهو قيامها على اعتبار أن الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع في دستورها وتكوين سلطاتها الثلاث وعلى رأس هذه السلطات السلطة التشريعية سواء كان ذلك فيما تصدره من تشريعات أو في أسلوب إدارتها لجلسات البرلمان، حيث يمثل هذا الملمح المهم من ملامح الدولة المدنية الحديثة أهم الأسس الدستورية التي على أساسها يحدد المشرع الدستوري إطار الايدلوجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة المدنية في الدستور اليمني.
وقد جاء تعبير الأخت توكل عن هذا الأمر غير متعارض مع النظريات التي تدرس لطلاب كلية الشريعة والقانون في تحديد أسلوب بناء الدولة المدنية الحديثة وهو أسلوب حضاري متنور يبتعد عن المغالاة والتشدد أو الإفراط والتفريط ويلتزم وجه الاعتدال والوسطية بحيث يتم صياغة الدستور وهو القانون الأسمى في أي دولة من الدول والمحدد لأيدولوجيتها بأسلوب عام يقوم على اعتماد أسس شرعية مستمدة من الشريعة الإسلامية، بعيداً عن المغالاة والتعقيد مع تحقيق المرونة اللازمة لدرجة تحقق القبول بالآخر وتحترم فكرة وتسمح بمناقشته والأخذ منه والاستفادة من تجاربه وخبراته في كافة مجالات الحياة النظرية والعملية الهادفة إلى بناء دولة مدنية حديثة بحيث نستمد من فكر الآخر كل جيد ومتطور لا يعارض الأسس العامة للشريعة الإسلامية وخصائص الواقع اليمني.
وذلك كله بالشكل الذي يناسب متطلبات النظام القانوني والاقتصادي العالمي الحديث القائم على العولمة ومتطلباتها السياسية والاقتصادية والتي من أهمها الدخول في تكتلات عالمية واقلمية وسياسية واقتصادية وتسهل أساليب التعاملات التجارية والاقتصادية مع كافة دول العالم ويخلق مناخاً اقتصادياً مناسباً للاستثمار، يسمح للمستثمرين اليمنيين والأجانب بالعمل في بيئة استثماريه مناسبة ومتطورة ولعل قانون التدوير الوظيفي واعتماد السبت إجازة رسمية من مبشرات السير في هذا الاتجاه.
كما يجب التركيز على تحسين أسلوب اختيار الأعضاء الذين يشغلون مقاعد البرلمان في المستقبل باختيار أفراد صالحين لتحمل هذه المسئوولية التي تستمد أهميتها من طبيعة السلطة التشريعية والأعمال التي تقوم بها باعتبارها أداة تشريع المجتمع والممثلة للشعب والمدافعة عن مصالحه العامة.
وهذا الأمر يفرض على الناخب أن يكون على درجة كبيرة من الوعي القانوني والدقة في اختيار أعضاء صالحين لتمثيله في البرلمان.
كما يجب على أعضاء البرلمان في المستقبل التحسين من أسلوب إدارة الجلسات وأسلوب مناقشتهم للمواضيع والقوانين المعروضة عليهم بحيث يكون أسلوباً قائماً على أسس وطنية تعتمد على الولاء للوطن والابتعاد عن الولاءات والمصالح الضيقة ونبذ كل الأساليب السابقة التي كانت تعطل العمل التشريعي في البرلمان أو تعيده إلى الخلف في فن صياغته القانونية في حال صدوره ولعل أبرز وأقرب مثال على ذلك في الماضي القريب هو أسلوب صدور قانون تحديد سن الزواج، حيث ذهب أعضاء أحد الأحزاب المشاركة في تكوين البرلمان للاعتراض على صدور القانون بدعوى معارضته للشريعة الإسلامية مع ما صاحب ذلك من إخراج مظاهرات تنادي بإلغاء القانون وصدور فتاوى شرعية ضد صدوره وهو أسلوب من الزمن الماضي، لا يناسب مع ما يتطلع له اليمنيةن من مستقبل جديد.
واستكمالاً لشرح وتحليل العبارة التي عبرت عنها الأخت توكل في الحوار المشار إليه نجد انه من الضروري لفت نظر الأحزاب التي ستبني اليمن الجديد أن تعيد النظر في تكوينها الحزبي وقياس مدى المناخ الديمقراطي في إطار كل حزب ودراسة إمكانيات تطوير البناء الهيكلي لكل حزب بأسلوب جديد على أسس ديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر والمشاركة المتساوية والعادلة في قيادة الأحزاب وصياغة البرامج السياسية للأحزاب بالشكل الذي يحقق المشاركة الفاعلة لكل أعضاء الحزب ويطهر هياكل الأحزاب من الفساد.
كما أن دموع الأستاذ الفاضل/ محمد سالم باسندوه تعبر عن حجم الأحمال التي يحملها هو وأعضاء وزارته التي تعد وزارة تاريخية كونها تحمل على عاتقها مهاماً ومسئوليات جساماً خلال الفترة الانتقالية وهي مسئوليات لا تقف عند تحقيق الأمور المتعلقة بالحياة المعيشية للمواطن اليمني وتحقيق الاستقرار وهي مهام آنية وضرورية ولها أهميتها.
ومع ذلك فهناك مهام ومسئوليات أخرى أكثر أهمية ولها درجة من الخطورة، كونها تؤثر على مستقبل اليمن واليمنيين وتحدد مستقبلهم وشكل دولتهم وتحدد أسس تكوين مجتمعهم ويأتي على رأس هذه المهام إعادة هيكلة الجيش ويشكل هذا الأمر أهم الأسس التي تقوم عليها الدولة المدنية وإعادة بناء الهيكل الإداري والقضائي للدولة الجديدة على أسس قانونية، أهمها المساواة وتكافؤ الفرص والأهم من ذلك حل المشاكل في الجنوب وشمال الشمال.
وفي ضوء ما سبق نستطيع إدراك مدى الصعوبات التي تواجهها هذه الوزارة وتجعلنا نقر بأن المسئوليات التي انيطت بهذه الوزارة لم تتحملها وزارة سابقة طوال التاريخ اليمني الحديث مما يسهل علينا وصفها بالوزارة التاريخية ويترتب على حسم هذه المهام سهولة صياغة مبادئ دستورية عليا في دستور اليمن الجديد.
فنجاح الوزارة في القيام بواجباتها وإتمام مهامها يترتب عليه تأسيس المناخ الديمقراطي وإرساء الحقوق والحريات الأساسية للمواطن اليمني وضمان حقه بالمشاركة في بناء الوطن وتحمل مسئولياته في بناء وطنه واقتسام حصته العادلة من الثروة وفق معايير قانونيه وأسس عادلة مستمدة من مبادئ دستورية عليا لها مرتبة قانونية عليا تسمو على نصوص الدستور ذاته، من الضروري على المشرع الدستوري الالتزام بها والامتناع عن تجاهلها في صياغة دستور اليمن الجديد.
وبذلك نقول إن ابتسامة توكل التي عبّرت عن بعض مفرداتها في الحوار التلفزيوني المشار إليه ودموع الأستاذ القدير/ محمد سالم باسندوة تتكامل معاً في التأسيس لصياغة العديد من نصوص دستور اليمن الجيد.
أستاذ القانون العام المساعد بكلية الحقوق _جامعة تعز
د. ضياء العبسي
ابتسامة توكل ودموع باسندوه 2296