عام كامل لثورة الربيع العربي التي أعادت الروح إلى الجسد العربي المشلول ليعاود حياته من جديد في الوقت الذي بدأت فيه الهوية العربية تتجلى في الأفق بصورتها الحقيقية المعبرة عن تاريخها العملاق بعد محاولات فاشلة لطمس معالمها الحضارية, ما هو مهم كواجب يجب علينا أن نقدمه خصوصاً في تلك المرحلة التي تبدو أكثر صعوبة وفي ظل ظروف ومعاناة خلفتها السياسة الرجعية للأنظمة البائدة التي حكمتنا أن نكون في مستوى التحدي المطلوب كي نجتاز هذه المرحلة الحرجة.
من أراد أن يعشق لا يعشق إلا بلدته التي ترعرع بين وديانها ومن أراد أن يغضب لا يغضب إلا لوطن غالٍ محتل يقتل أبناءه بين اللحظة والأخرى وتنهب ثرواته أمام أعين الجميع في الوقت الذي وأبناؤه بأمس الحاجة لها.
ظل شعبنا العربي الكبير قرابة أربعة عقود خانعاً ومستسلماً أمام وطأة سياسة وهمية تخلفية فرضت علينا بقوة السلاح والقمع والاضطهاد من قبل أنظمة ديكتاتورية مقيتة أوصلت هذا الشعب العريق إلى الحضيض دون أن يشعر أبناؤه بما كان يحدث إلا القليل ممن أعلن عليهم الحرب بشتى أنواعه وهمشوا فمنهم من استسلم ومنهم من ترك وطنه مهاجراً بين الأقطار باحثاً عن وطن آمن ليس إلا، يقيه مخاطر الملاحقة والقهر.
ما كان يحدث محزن بالفعل من إقصاء وتهميش ونهب للثروات والتصرف اللامسؤول الذي تجاوز المعقول ونسف كل القوانين والدساتير والأعراف حتى وصل الأمر إلى تحقير الشخصية العربية الأصيلة وإظهارها بصورة قاتمة رغم سطوعها, من المعروف أن الإنسان العربي يمتلك سمات فريدة منذ الأزل، تميزه عن غيره، تجسدت بداخله حتى أصبحت جزءاً من سلوكه العام وثقافته المعاصرة تحت مسمى النخوة العربية الأصيلة التي دائماً ترفض كل معاني الظلم والاستبداد.
اكتسب الإنسان العربي هذه السجايا من تاريخه العريق وأيضاً من عقيدته السمحاء التي جاءت معززة لتلك الثقافة السامقة والشعور الإنساني المسئول إلا أنه في فترة من الفترات والتي هي بالتحديد القرن الماضي تخلى عن ذلك الشعور فأضحى شياً لا يذكر مع العلم أنه كان يدرك كل ما يحاك حوله من مؤامرات وما يشبهها, لكن للأسف الشديد ظل شعبنا العربي في سبات عميق طيلة الفترة المنصرمة دون أي ردة فعل تذكر تشعر الآخرين بوجوده ككيان متواجد إن لم يكن مؤثراً في هذه المساحة الجغرافية الهامة.
قد يفسر البعض ما حدث لشعبنا العربي ربما حالة من الزهد المفرط جعله يتنازل عن أبسط حقوقه السياسية والفكرية والمادية حتى على مستوى الحقوق البسيطة كأساسيات الحياة التي بدونها لا يمكن العيش ويحبذ الموت, مما أدى إلى فقدانه لشعوره الوجودي المعبر عن أدنى مظاهر الكينونة, وبالتالي ظل عائشاً كمستقبل لكل الأحداث والمتغيرات المداهمة له دون أي استجابة واضحة الملامح توضح مدى استعداده للسير قدماً نحو التغيير أو التخلص من واقعه المزري المخيب للأمل, هذا في الوقت ذاته وفر جوءاً آمناً لتلك الأنظمة للعبث بمقدرات الشعوب حتى وصل الاستخفاف بالشعوب العربية من قبل حكامها وخاصة في الآونة الأخيرة حداً لا يمكن لأي أحد توقعه أو القبول به رغم ذلك تقبله شعبنا العربي دون أي عذر يبرر ذلك القبول, لا ندري ما هو السر الذي جعله يصل إلى هذا الحد من الجبن والاستسلام، حقيقةَ لولا الثورة لكان هلك, أخيراً عرف الشعب العربي طريقه التي ظلها عقوداً, انتفض وكأنه كان نائماً واستيقظ من منامه فجأة إلى فجره البهيج الذي ملاء الأرجاء بإشراقته البهية إيماناً ويقيناً بعدالة تلك القضية، فحال بينه وبين الظلام ستار لا يرث بتعاقب الأحداث, حتى اللحظة شعوب عاشت الثورة وشعوب أخرى مازالت تعيش الثورة لم تنتهي بعد وشعوب لم تبدأ بعد تنتظر بفارغ الصبر لحضاتها التاريخية, لا يمكن لثورة أن تتوقف طالما هي واثقة الخطى, لا يخشى شبابها, من يقف أمام طريقها بالتأكيد ظالماً لنفسه, ومن يظن أنها ربما ترتد بفعل واهم أو متخلف, مما لا شك فيه أن ثورة الربيع العربي والتي ثورتنا جزء منها هي مخاض حقيقي لجيل حضاري متطلع لمستقبل واعد وولادة وطن جديد، كادت أيادي الاستبداد تئد فجره الوضاح لولا ثورتكم المجيدة أيها الشباب المغاوير, لذا ينبغي علينا بعد كل الانجازات التي حققناها بفضل هذه الثورة أن لا نعود إلى المربع الماضي أو نستمع لتلك السياسات البروتوكولية الهشة حتى لا نصاب بالزهد المفرط مرة أخرى .
Fawaz.alabdly@gmail.com
فواز العبدلي
العالم العربي بين زهد الماضي ورهان الحاضر 2009