تمهيد
إن القيم والمعتقدات والعادات والمشاعر المشتركة بين أعضاء المجتمع هي المسئولة عن تحقيق التماسك الاجتماعي،.ونحن نعلم بأن العقل لا يفرز فكراً بمعزل عن علاقة الإنسان وكفاحه في الواقع المادي والاجتماعي الموضوعي, ونمط السلطة يؤثر على ثقافة الناس.
فالنمط العقلاني يستند إلى الاعتقاد في شرعية القواعد المعيارية, وعدالة القوانين, وهذا غير موجود عندنا، والنمط التقليدي يستند إلى الاعتقاد في قداسة الأعراف أو التقاليد, والنمط الكاريزمي مبعثه الاعتقاد في بطولة أو قداسة القيادة، وهذان موجودان عندنا, إننا نجد أن الثقافة
العقلانية تتسم بالحياد الشعوري ودافع الإنجاز والعمومية والدقة والتحديد, وأما الثقافة التقليدية فيسودها الشيوع والخصوصية والعاطفية ونمط القيادة الكارزيمية، تعتمد على التضليل والهالة والتضخيم، ولابد أن ندرك أن استمرار تماسك المجتمع وقوته مرهون باستقرار الاقتصاد الذي يمكن المجتمع من العمل وامتصاص البطالة وحل المشكلات وبالاستقرار السياسي الذي يرسم للمجتمع أهدافه, ويعمل على تعبئة الموارد المكتسبة لتحقيق الأهداف وهذا مرهون بوجود الروابط المجتمعية الواعية، وهي مجموعة النظم التي تعمل على إقامة علاقات متبادلة بين الأفراد والجماعة, وتجعلهم يحققون درجة عالية من التماسك مثل،استيعاب الجميع لأهمية تطبيق القانون اللازم لاستمرار المجتمع من دون فوضى وكذلك لا نغفل دور التنشئة التي تقوم بوظيفة التهيئة، إذ من خلالها تنقل ثقافة المجتمع إلى الأفراد, يستد مجونها وتصبح عاملاً مهماً في خلق الدافعية للسلوك الملتزم, وأساساً لبلوغ توازن المجتمع، وضماناً لاستمراره، التنشئة التي تغرس
الحياد الوجداني مقابل الوجدانية, والتوجه الجماعي مقابل التوجه الفردي,و العمومية مقابل الخصوصية, والانجاز مقابل التراخى وتخصيص العلاقات مقابل انتشارها.
إننا في اليمن بحاجة كما يقول الأخ العزيز عبده سالم إلى ثقافة النقلة لأهميتها في المتغيرات الثقافية ودورها في تفسير الظاهرة السياسية للوصول إلى رضاء المحكومين عن النظام السياسي وإحساسهم أنه ينفذ إرادتهم, وليس قاهراً أو مجبراً لهم, وهذا يتطلب من الجميع التعاون على المحافظة على النظام الجديد وتحقيق التكيف, ويتضمن تحديث وظائف التنشئة السياسية من خلال صياغة, أو تعديل, أو تغيير الاتجاهات في الثقافة السياسية, وتعليم المستهدفين و تجنيدهم سياسياً عن كيفية أداء الأدوار المناطة بهم, وصياغة الاتجاهات أو تعديلها، ويعزز هذا بثقافة النظام التي يجب أن تركز على الوعي بهذا النظام ومؤسساته وشرعيته وشاغلي الأدوار الرئيسية فيه.
وكذلك التركيز على عملية التحويل داخل النظام السياسي, أي تحويل المدخلات إلى مخرجات, وتركزاً لثقافة العملية المقابلة لهذا المستوى على إدراك الفرد لذاته كمشارك في التأثير في عملية التحويل المذكورة.
ويتم التركيز على الأداء السياسي البسيط, وجوهره هو عملية تطبيق السياسة, واستخراج الموارد وتوزيعها, وتنظيم السلوك, وصنع الرموز والمعلومات, الذي يعود في تغذية استرجاعية إلى المدخلات مرة أخرى، وتقابلها ثقافة السياسة التي تركز على إدراك المواطن لمخرجات النظام من قرارات وسياسات وتنفيذ لهذه السياسات.
تعريف الثقافة السياسية :
هي نمط محدد من التوجيهات / الاتجاهات إزاء النشاط السياسي أو الاتجاهات السياسية إزاء النظام السياسي بأجزائه المختلفة, والاتجاهات إزاء دور الذات في النظام, التوجهات المعرفية والتوجهات العاطفية والتوجهات التقييمية.
إنها معتقدات الناس واتجاهاتهم وأفكارهم ومشاعرهم وتقييماتهم المسبقة إزاء النظام السياسي لبلدهم, إنها تلك التوجهات المشتركة حول الحياة السياسية والتي يشترك فيها أكبر عدد من المواطنين.
هي القيم المشتركة التي تساعد على تشكيل سلوك الناس في مجتمع ما, فالثقافة السياسية تتضمن القيم والمعايير التي تتصل بالنظام السياسي وأن الثقافة السياسية تشير إلى { مجموعة الأفكار والاتجاهات إزاء السلطة وقواعد ضبط السلوك والمسؤوليات الحكومية وما يعده الناس حقوقا } وأيضا هي الاتجاهات والمعتقدات والقيم التي تتصل بعمل نظام سياسي محدد, وتعد بمنزلة معرفة متضمنة, ومهارات مكتسبة عن عمل هذا النظام, كما تتضمن مشاعر إيجابية أو سلبية نحوه, وكذا أحكاما تقييميه بشأنه..
فمفهوم الثقافة السياسية يدور حول نسق القيم والمعتقدات السائدة المتعلقة بالسلطة والحكم في المجتمع, وما يشكله هذا النسق من بيئة معنوية يعمل النظام السياسي ويؤدي وظائفه من خلالها.
أنواع الثقافة السياسية:
1. التصنيف تبعاً للسمات الأساسية للجماعة /المجتمع :
أ/الثقافة السياسية والنوع :
تعرف معظم المجتمعات ـ على تنوعها ـ قدراً من التمايز بين الثقافة السياسية للرجل,والثقافة السياسية للمرأة,استناداً إلى فكرة التقسيم الاجتماعي للعمل,واعتبار أن السياسة هي شأن رجالي إلى حد كبير فجاءت ثورات الربيع العربي وبرهنت أن السياسة شأن رجالى ونسوي، أن اتجاهات المرأة نحو العمل السياسي لا تتحدد بتبعيتها الاقتصادية للرجل,بل بوعي وقناعة المراة و بمجمل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تكون البناء الاجتماعي.
ب/ الثقافة السياسية والانتماء الإقليمي :
إن حدود التأثير الإقليمي هي من الأهمية بمكان, وأنها لم تفقد أهميتها,على الرغم من حدوث العديد من التغيرات وتطور التواصل بين الدول ونحن في اليمن العامل الدولي حاضر والعامل الاقليمى حاضر وهذا يتطلب أن نجعل مصلحة اليمن فوق كل المصالح الحزبية
ج/ الثقافة السياسية واختلاف الأجيال :
اختلاف الاتجاهات السياسية السائدة لدى الشباب,عنها لدى كبار السن,بفعل التغيرات الاقتصادية, الاجتماعية،ومن ثم,اختلفت الثقافة السياسية بين الأجيال
إن كبار السن عادة ما يتسمون بالميل إلى المحافظة،حيث يرفضون القيم الجديدة لتعارضها مع القيم المتأصلة في نفوسهم,أما الشباب فيميلون غالباً إلى التغيير,ومن ثم يكونون أكثر استجابة للقيم الجديدة التي يرون فيها سبيلاً للفكاك من أسر القيم المفروضة عليهم، كما أن الأصغر سناً يكون أكثر ميلاً إلى الأشكال غير التقليدية للمشاركة,ويبدو أن متوسطي السن يعتبرون أكثر مشاركة بشكل عام، ومراعاة هذا الأمر مهم في ثورتنا ونلاحظه بوضوح وهذا يتطلب الحوار الجاد والموضوعي والواقعي مع كل شباب الثورة فإن لم نفعل هذا، فهناك أطراف خارجية تستقطبهم بالمال ونحن بلد فقير قابل للاستقطاب المالي
د/ الثقافة السياسية والموقع الاجتماعي:
تعرف مجتمعات كثيرة تمييزاً بين ثقافة الصفوة وثقافة الجماهير، ويتفاوت مدى التجانس بين هاتين الثقافتين من مجتمع إلى آخر, ويتفاوت مدى التجانس والانسجام المتقدم,وتوجد درجة عالية من التجانس والانسجام,إذ تتلقف النخبة وثقافة الجماهير قبل أن تسند إليها الأدوار المختلفة، وتظل النخبة رغم معارفها الواسعة,المتخصصة,تقدر القيم الأساسية السائدة في المجتمع وهذا مطلوب من نخبنا في اليمن ولهذا نلاحظ أن البعض يكتب ولا يراعي القيم السائدة فيصطدم بثقافة المجتمع، أو المثالية التنظير وخاصة في الانتخابات وفى غيرها.
و/ الثقافة السياسية والانتماء المذهبى
تمثل المذاهب مصداً من مصادر الثقافة العامة للمجتمعات وهذه المذاهب وإن لم تبلور بنظرية سياسية محددة, فإن بعض قيمها قد يكون ذا آثار سياسية لا شك فيها, الأمر الذي قد يسفر عن ثقافات سياسية فرعية قد تختلف باختلاف الانتماء المذهبى، ونحن في اليمن فإن الخيال المذهبي له أثره ويراد استغلاله.
التصنيف تبعاً لمضمون الثقافة السياسية :
أ/ الثقافة السياسية المحدودة, نوع توجهات هؤلاء الناس الذين يظهرون وعياً ضئيلاً, أو جهلاً, بالنظام السياسي الوطني أو القومي, بيد أن المواطن قد يشارك بشكل نشيط في السياسات المحلية أو القبلية المحسوسة، فكيف نرفع وعيه السياسي الواسع؟
ب/ الثقافة السياسية الرعوية, تتسم توجهات الأفراد فيه بالوعي بالنظام السياسي وبتأثير مخرجاته على حياتهم, ولكنهم غير ميالين إلى المشاركة في أبنية المدخلات, ولا يستشعرون إمكان التأثير على قرارات النظام، بسبب وجود وسائط هم المشائخ فكيف نرفع وعيهم في فهم المواطنة المتساوية عملياً.
ج/ الثقافة السياسية المشاركة, يتسم بوجود درجة عالية من الوعي والمشاركة السياسية لدى المواطنين، فهم واعون بعملية وأبنية المدخلات, ويرون أنفسهم ضميناً مشاركين في التعبير عن المطالب وصنع القرارات، وهذا ما أحيته ثورات الربيع العربي في المواطن
الثقافة السياسية والتنمية:
يعد التغيير الثقافي شرطاً لحدوث التغييرات الأخرى، ومن ثم ترجع نظريات التنمية ظاهرة التخلف إلى عوامل ثقافية بحتة تكمن في ثقافة المجتمعات المتخلفة، تدفعها إلى التقاعس والركود, الأمر الذي يقتضي تغييراً ثقافياً كمقدمة ضرورية للوصول إلى المجتمع المتطور.
الثقافة السياسية والديمقراطية :
وجود صلة بين ديمقراطية المجتمع وديمقراطية النظام السياسي, إن الديمقراطية ليست تعبيراً عن حقيقة بنائية ومؤسسية فقط, ولكنها أيضاً مجموعة قيم واتجاهات ومشاعر تشجع على الممارسة الديمقراطية الفعالة من جانب الحكام والمحكومين، تبدأ من الأسرة بالتدريب على تطبيق مبدأ الشورى، إن الثقافة السياسية التي تنطوي على قيم ديمقراطية شوروية تجعل من الصعب على أي نظام سلطوي أن يستمر، والقيم التي تمثل أرضية لنمو الديمقراطية هي :
الشورى والحرية و الوسطية والتسامح والمدنية, والفعالية والمعرفة, وقبول الرأي الآخر, وتقبل اختلاف التنوع والمشاركة, وكما أن المعتقدات والمدركات عن شرعية النظام تمثل عاملاً حيوياً لاستمرار النظام الديمقراطي أو انهياره, والشعور بالاقتدار السياسي, والاستعداد للمشاركة السياسية, والتسامح الفكري المتبادل, وتوفر روح المبادرة, واللاشخصانية, والثقافة السياسية المتبادلة بين المواطن والنظام السياسي.
لأن المفهوم الديمقراطي يؤكد المساواة, ويفترض العقلانية ومواجهة القيم التقليدية السلبية وتحقيق التوافق والتعايش بين القيم التقليدية المعبرة عن الأصالة, وتلك التي تعبر عن استيعاب الحداثة والمعاصرة, ويفترض كذلك توازن القوى داخل المجتمع, والتخلص من النمط الأبوي في التربية والتعليم وفى السلطة السياسية.
فالديمقراطية تعني بدرجة أساسية و ملموسة المعرفة السياسية, والميل إلى تبني اتجاهات تدعم الديمقراطية, والإيمان بالقيم الجوهرية في المفهوم الديمقراطي كالمواطنة المتساوية والحرية السياسية, والمساواة السياسية, فمعتقدات واتجاهات وآراء المواطنين تقع في موقع القلب من النظرية الشوروية والممارسة الديمقراطية, فالكيفية التي يدرك بها الناس ويقيمون النظام السياسي وأدوارهم تؤثر على دعم السلطات والمؤسسات والعمليات التي تؤسس وتقيم النظام السياسي الديمقراطي, وإن غياب هذه المعتقدات والاتجاهات لدى القادة والجماهير يجعل النظام الديمقراطي على المدى الطويل في مهب الريح,كما كان وما يزال حالنا في الوطن العربي وان بعض الثقافات السياسية تساهم في خلق نظام اجتماعي غير ديمقراطي يفتقد الحرية والمساواة, وقد تسهم الثقافة السياسية في التحول الديمقراطي من خلال:
أ/ تغيير مدركات ومعتقدات النخبة، وخاصة الأحزاب.
ب/ تغيير واسع في الثقافة السياسية للجماهير ومنظمات المجتمع المدني.
ج/إحياء القيم الداعمة لممارسات الديمقراطية مثل الحرية والشورى وقبول الرأي الآخر واستيعاب اختلاف التنوع.
الثقافة السياسية والتنمية الاقتصادية :
إن هناك تأثيرات تبادلية بين النمط ألقيمي وبرامج ومشروعات التنمية، وتتمثل هذه التأثيرات في برامج ومشروعات التنمية التي تؤدي إلى تغير النمط ألقيمي، كما أن بعض القيم قد تمارس تأثيراً سلبياً في التنمية, مما يعوقها ويحول دون تحقيق أهدافها.
التنشئة السياسية: هي عملية تلقين وتفهيم لقيم واتجاهات سياسية, ولقيم واتجاهات اجتماعية ذات دلالة سياسية, وهي عملية مستمرة, بمعنى أن الإنسان يتعرض لها طوال حياته, والتنشئة السياسية تقوم بنقل الثقافة السياسية عبر الأجيال, وخلق الثقافة السياسية, ثم تغيير الثقافة السياسية.
وتقوم بها:
أ/ الأسرة : فالطفل يدرك العالم من خلال أسرته، ومن ثم, فإن الطفل في الأسرة ذات الطابع الشوروى الديمقراطي يدرك أن الصراع يحل من خلال الحوار العادل بين الأطراف. بينما يعكس طفل الأسرة التقليدية الحمائية إدراكاً يستهدف تجنب المشكلات, كما أن الأسرة الأولى تعد هي الأكثر فاعلية في غرس القيم والاتجاهات سياسية الطابع.
ب/ المؤسسات التعليمية : إن ثمة علاقة إيجابية بين التعليم والتسامح السياسي, وإنه يمكن تدعيم التسامح حتى في تلك الحالات التي يكون لدى الشخص مشاعر سلبية إزاء جماعة ما, ويسهم التعليم في تربية النشء عن طريق أربع آليات هي: ( المقررات الدراسية, ودور المعلم, والإدارة المدرسية, والتنظيمات المدرسية والأنشطة الطلابية ويمارس التعليم الجامعي دور في عملية التنشئة من خلال الندوات والنشاط الطلابي فضلاًً عن المقررات لاسيما في الكليات النظريات والبرامج المعدة لحفز النشاط السياسي للطلاب في بعض الحالات.
ج/ جماعات الرفاق: من أدوات التنشئة, وهي تضم الرفاق والأقران والمتساوين, سواء في السن أو في الوظيفة أو في الوضع الطبقي والاجتماعي, تأثير جماعات الرفاق في الفرد من حيث سعيه إلى تقبل الجماعة له بفعل حاجته إلى الانتماء, أو لتقوية ذاته أو للشعور بالاحترام، وحينما تكون هذه الجماعة ذات سلوك عدواني أو عنيف ضد شخص أو جماعة ما, فإن الفرد الساعي إليها يتخذ توجهها نفسه وإلا استبعد منها.
د/ الأحزاب السياسية: حيث تقوم الأحزاب بالتعبئة والتثقيف السياسي لأعضائها, وتسهم في رفع مستوى الوعي السياسي لدى أفراد المجتمع بشكل عام ولهذا فالمطلوب من الأحزاب مراجعات بنيوية حقيقية للوائح والسياسات وهيكلة الحزب وإحداث تغييرات تواكب المتغيرات التي احدثته ثورة الشباب الشعبية السلمية وهذا هو الوفاء للشهداء وجرحى ومعوقي الثورة وإذا لم نحدث تغييرات فقد نعود إلى ما قبل الثورة من ممارسة الأخطاء، ووسائل الإعلام لابد لها من مواكبة تغيرية تكمن أهميتها في نشر القيم الوطنية والسياسية، و كذلك المؤسسات الدينية الأهلية والرسمية التي كانت كروتا لإثارة الصراع والجمعيات التطوعية، وكذلك لا نغفل التأثيرات للثقافة التاريخية ذات والثقافة المثالية، والتأثيرات الجغرافية، وطبيعة النظام السياسي، والواقع الاقتصادي الاجتماعي، والعوامل الدولية.. والله الموفق.
محمد سيف عبدالله العدينى
ثقافة النقلة السياسية المطلوبة للنقاش في بناء يمن ما بعد نظام صالح 2153