مع ميلاد محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام نلمح ميلاداً جديداً للإنسان ـ مطلق الإنسان ـ وهو ملمح يرتبط بالقيمة، حينما رفع الإسلام مكانته، وشرفه الله وكرمه وكلفه، وخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأحسن خلقه وخُلقه وسخر له ما في الكون جميعاً، حين جعل له حرمة، وجعل له ذمة وحرره من العبودية لغير الله، وحرم الرق والظلم والقهر والاستبداد والاستعباد وأن يُسام الخسف، فحقق فيه معاني الإنسانية العظيمة، فحل العدل محل الظلم، والنور محل الظلام، والهداية محل الضلالة، والوحدة محل الفرقة والبناء محل الهدم، والحرية محل الرق والعبودية، والوحدة محل الظلم والتسامح محل العصبية والانتصار للمبدأ. والحق محل الانتصار لفرد أو قبيلة.
ومن هنا نقول إن بعث النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الرسالة العظيمة كان بمثابة ميلاد جديد لبني الإنسان ـ مطلق الإنسان ـ الذي يعتبر تكريمه والإعلاء من شأنه وقيمته لا ينقصه الوضوح والبروز في الإسلام وشريعته، وإنه من الظلم لنبينا صلوات الله وسلامه عليه أن نجعل الاحتفال به وقد تحقق فيه كل هذه المعاني الإيمانية والنورانية والقيمية مقصوراً على يوم من الأيام أو شهراً من الشهور أو سنة من السنين بل يجب علينا أن نحتفل به في كل الأيام وعلى دوام السنين والأعوام، إن سيرته يجب أن تكون حية بيننا ليتجدد إيماننا به دائماً، ويزداد حبنا له أبداً ونستشعر الميلاد الجديد للإنسان، ونتمثل أخلاقه التي لا بد أن تكون موضع القدوة والأسوة، وما أكثر جوانب القدوة ومواضع الأسوة في حياة هذا النبي العظيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لتستقيم حياتنا الفردية والأسرية والعالم، حيث بلغ عليه السلام في كل جانب مداه وأدرك منتهاه!!.
لو سئلنا ما هو أعظم يوم في التاريخ؟ لكان الجواب من غير نزاعٍ ومن غير تردد إنه اليوم الذي ولد فيه الحبيب المصطفى والرسول المجتبى ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومن حسن الأقدار أن يصادف يوم مولده في شهر ربيع ثورات الربيع العربي من السنة الماضية والمنصرمة ولازالت هذه الثورات الربيعية مستمرة لسقوط الأصنام والأزلام والطغاة والمجرمين والمستبدين والظالمين من حكام العرب أجمعين.
إن المسلم الذي لا يعيش الرسول عليه الصلاة والسلام في ضميره ولا تتبعه بصيرته في عمله وتفكيره، لا يغني عنه أبداً أن يحرك اللسان بألف صلاة في اليوم والليلة وإلا ما أرخص الحب إذا كان كلاماً، وأغلا عندما يكون قدوة ومقاماً (الشيخ الداعية: محمد الغزالي رحمه الله)..
شهاب الدين المحمدي
ميلاد جديد للإنسان!! 1872