لا نستطيع أن نفسر ما يحدث من حصار للعاملين في صحيفة الثورة بأنه يندرج تحت حرية التعبير؟، ولا نقدر أن نفهم لماذا الحصار على الكلمة من أن تكون صادقة ونبيلة المعنى؟ وبأي معنى يمكن أن نفهم هذا التطور الخطير ضد زملاء الحرف الذي يعبر عن نزوع لإرهاب تحت بند تظاهر؟..
الوقع أن حصار صحيفة الثورة وإعاقتها من الصدور يمس حق الرأي العام، بل وحق الوطن بأسره في أن يجد الكلمة المعبرة والشجاعة والنابضة بالوطني، وبالتعبير عن هموم وتطلعات الشعب، وذلك حق من حقوقه، وهي ملكيته التي ليس لأحد أحقية أن يجيرها لأي كان فرداً أو رئيساً أو غفيراً، بمعنى أن من يدفع الضرائب ليجد المعلومة الصحيحة، هو المالك فعلاً، وليس ما يذهب إليه المحاصرون للصحيفة، احتجاجاً على حجب إضاءة تخص الرئيس، وكأنها مقدس لا يجوز المساس به، أو كأنها تنزيل من عزيز حميد، وأي اعتداء عليها اعتداء على قيم الدين والوطن وقيم الحق والخير والجمال، أو كأن المالك الحصري لإعلام الدولة هو صاحب الفخامة الذي يجب أن يطل كل صباح بإضاءته ليمنحنا الإشراقة والأمل.
والمسألة إذاً أن ثمة قوى تريد تسخير مقدرات شعب لصالح فرد، ولا تقدر أن تكون غير ذلك، لأنها تؤدي مهاماً جليلة للزعيم المؤتمن بحسب ما أعدت له، لكننا ننظر إلى صحيفة الثورة وإعلام الوطن أنه ملك للجميع دونما إضاءة أو إشراقة أو افتتاحية تعظم وتبجل الفرد، ويكفي أن 33 عاماً مرت ونحن كل صباح وجهاً لوجه مع الزعيم وإطلاق صفات الألوهية له وأنه الكريم المعطي المعز، هذه معاني كانت تتداول بشكل أو بآخر، أما الإضاءة فقد جعلوها قادة الإعلام الانتهازيون والمنافقون وكأنها من كتاب مقدس وضرورة لا نستطيع أن نفهم كيف سيكون حال الوطن لو أنها شطبت من زاويتها، هكذا غرس دكتاتوريو الإعلام والمتسلطون هذه المفاهيم في الذهنية المجتمعية وذهنية الزعيم نفسه الذي صدق ما يعتاده والتوهم، والصحيح أن المرابين كانوا يقتاتون من هذا التسلط والقمع وغرس هذا المعتقد وجعله أقوى من مادة دستورية، لذلك لا عجب أن نجد من يحاصر صحيفة الثورة لخروجها عن قانون الجاذبية، وأن ينظر إلى شطب الإضاءة وكأنه خرق للمبادرة الخليجية، وأن ذلك حق كفله الدستور والقانون لفخامته أن يبقى فينا إضاءة يومية، هذه الثقافة الاستبدادية اليوم يريد توطينها حتى من زملاء المهنة ويريدونها فينا واقعاً لا فكاك منه.
وهكذا يحاصر عشاق الحرية في مقار أعمالهم تحت مبرر أن شطب وتنزيل الإضاءة لصاحب الفخامة اعتداء على الحياة وعلى المالك لهذا الجهاز - حسب مفاهيم الدكتاتورية، هنا فقط تصيبنا الدهشة من الوصول إلى هذا المستوى في الوعي لدى من لا يريدون الكلمة معافاة وصحيحة، ويعتقدون أن أحرار الكلمة يعتدون على (التابو) ويخترقون الحقيقة وقد وصل بهم الحال إلى مستويات لا نظن أنه لو تم حذف آية كانوا سيقدمون على ما أقدموا عليه، فغيرتهم على الاستبداد ليكون واقعاً تطال الصحيفة وكل العاملين فيها..
وإذاً نحن أمام قتامة وسوداوية لمن لا يريد التغيير ويحرص على خلق رعب وفوضى من أجل الإضاءة لفخامته التي ألفها دهراً ولا يقدر على استيعاب تنزيلها، ليبقى الوطن بدون ضوء، ومساحة حكمة، ورؤية، وتنظير.. ولا ألحق الله خيراً، القيادة الإعلامية السابقة، وقد خلقت هذه الدكتاتورية وأخطأت من أول يوم اتخذت فيه قرار زاوية إضاءة لفخامته، حتى إذا ما أراد الشعب أن يسترد حقه وحقوقه الإعلامية وأنه مالك الإعلام وليس أحد غيره، وجدنا من يخرج ليرهب القلم ويتمسك (بالإضاءة أو الموت) باعتبار ذلك حق زعيم مؤتمن، وليس للشعب أي دعوى بهذا، والمؤلم أن نجد زملاء كلمة يمارسون ذات الاستبداد وكيف لنا أن نجعلهم ذخيرة وسنداً للحرية وهم يتظاهرون ضد حرية الكلمة ضد مستقبلهم وأبنائهم، يريدوننا أن نكون مجرد علب كبريتية على سالف العهد وفي ذات التحنيط الذي اشتغل عليه وصوليو وحمقى الدكتاتورية والذين سيبقى ما أرسوه من تقاليد ضد الحياة والعزة والحرية، وصمة عار تلاحقهم أحياءً وأمواتاً وقد اختاروا التدجين للجماهير، واستغفال عقل المتلقي والتلاعب بالعقول، وهي جرائم جسيمة فعلاً لمن يتأملها ويقف عليها، وقد وصل الحال إلى مستوى أن نجد من يخرج لمحاصرة صحيفة الثورة لمجرد تنزيلها إضاءة لاتسمن ولا تغني من جوع، ولم تقدم ساعة واحدة ما يستحق الاهتمام سوى أنها إرضاءً لشهوة التسلط لدى الزعيم.. والعيب بكل تأكيد ليس فيه ولا من يفقهون قولاً ويؤدون وظيفة احتجاج، العيب لمن اخترع هذا المكر والخداع والتزلف وأراده سنة من سنن الكون فينا، العيب في القوى التي خدعت شعباً وضللت عليه باسم حجة زمانه وحكيم الدهر والذي لا ينطق عن الهوى.. وجردوا بهذا شعباً من حقوقه وملكيته لهذه الوسائل ومنحوها لفخامته، وقد سمعنا ذات يوم كلاماً سخيفاً لأحد أهم القيادات الإعلامية قال بالحرف الواحد حينما أحدهم انتقد أداء الإعلام وأنه يتجاهل رغبات المتلقى قال: (الفضائية والثورة ملك علي عبدالله صالح هذا أمر محسوم)، هذا بالضبط مثقف انتهازي أرعن، كان يريد رضا الزعيم عليه وإرضائه، وليس الجمهور وحقوقه.
اليوم نحن نجني ما زرعه المنافق ونجد من يحتج على الإضاءة وكأن الصحيفة ملكية خاصة وليست حق شعب، واليوم نحن نجد من يحاصر الصحيفة على خلفية ما ليس مشكلة على الإطلاق، طلعت إضاءة أو نزلت فما هو المكسب، لكنها رغبات من ألف الاستبداد وتعامل معه وأوجد له أنصاراً وظن أن لا أحد يمكنه الفكاك من إضاءة الملهم، وكم كنا نتمنى على المحاصرين للصحيفة ومن منعوها من الإصدار أن يكونوا بذات الحماس ضد الفساد والقتل والتقطع ونهب أموال الدولة وأن يحتجوا على الأوضاع المتردية وأن لا يجعلوا أكبر همهم ومبلغ علمهم إضاءة صاحب الفخامة، فنحن لا نريد ما هو استبدادي ولا نقبل بهذا أو نحوه أن يصير كما المقدس في حياتنا، ومن تابع المتجمهرون في مقر الصحيفة يقول إنه أمام احتجاجات عملاقة ربما أخطأت الثورة في تحريف كتاب الله أو اعتدت على شريعتنا السمحاء وأتت دماً حراماً، حتى إذا ما بح صوت الوظيفة المحتجة نكتشف أنه من أجل إضاءة في مربع صغير لفخامته، كأن القيامة قامت والحياة تعطلت والأرض كفت عن الدوران والكواكب انتثرت.. والمسألة لا تعدو عن كونها كلمة ونصف، بجّلها انتهازيون وجعلوها مستودع أمل الأمة ومخزون الفكر والريادة التنظيرية، لنقع في المحصلة على مجاميع تحاصر الكلمة من أن تكون نبتاً سوياً، ونقع على قوى ألفت الاستبداد وعلى استعداد لأن تذهب إلى أبعد مدى لحمايته وليبقى فينا العمر كله.
ولعل الذين ذهبوا لحصار الكلمة لم يدركوا الواقع ومتغيراته وأن العصر اليوم للكلمة النزيهة الكلمة المعبرة عن إرادة شعب، عن حرية، عن عدالة وليس إضاءة هي الظلام كله حين حولها الانتهازيون إلى قانون لا يصح إنزال الصحيفة للقارئ إلا بها ويا ويل من تغافل عن ذلك، فلقد أتى جرماً مشهوداً يستحق عليه غضب وسخط القائد والوطن والجماهير واتهام خيانة ومأجور ومأفون وضد الثورة وعميل ومرتهن....إلخ، الكلام الذي جرى عليه حال الإعلام زمناً غير قصير بفضل ثلة منتفعين، مرابين، مزايدين، لغتهم اتهام وتشكيك فيما هم وطنيون حد الخنوع.
محمد اللوزي
الإضاءة أو الموت 2159