أعتقد بأن كل من شاهد رئيس الوزراء في جلسة مجلس النواب المخصصة لمنح قانون الحصانة، لا يخفى عليه دوافع لحظات الضعف الإنساني الجميل الذي عاشه الأستاذ، في وضع ما زال في اعتقادي مفتوحاً على جميع الاحتمالات، وفي مقدمتها ما هو خارج القراءات التقليدية المجمع عليها تقريباً، كوننا في مواجهة شخص، لا يحصنه الحد الأدنى من القيم والأخلاق والإحساس بالانتماء، إذ لم يتعامل يوماً خلال سنوات حكمه باعتباره رئيس دولة، فما بالكم الآن وهو مطرود منها على هذا النحو المهين وفي رصيده وأسرته ثروة ضخمة جمعت من أفواهنا .
إذاً أن يذرف الدموع مسؤول في موقع وحجم وسنوات عمر الأستاذ باسندوة، فلأنه يعي تماماً حقيقة الأوضاع وإلى أين يحاول الطرف الآخر أن يقودنا، وإننا أمام مفترق طريقين لا ثالث لهما، يقود الأول إلى تحقيق أهداف الثورة وإن اضطررنا إلى تجرع مر كؤوس سلكها، وأخرى مخيفة ولا يجب أن تمثل خياراً بأي حال من الأحوال .
من ناحيتي أيضاً، أرى أن الرجل يقف أمام نواب لا يجيد بعضهم القراءة والكتابة، وكثيراً منهم لا يفقهون معنى وجودهم تحت قبة البرلمان، ولا يتمتعون بأي مستوى معرفي يؤهلهم لقراءة وإدراك التحولات الوطنية الجارية في البلاد ومن ثم الدور المطلوب منهم كممثلين مفترضين للشعب، ما جعلهم على الدوام أكثر انتماء لولى نعمة إيصالهم إلى هذا المكان، وارتهان بوصلة مواقفهم لاتصال تلفوني من سيادته.
ولماذا لا يحدث هذا الآن، في محاوله بائسة لإفشال الانتخابات المقبلة وخلط الأوراق وإدخال البلاد في نفق الحرب الأهلية التي يجهد نفسه في التخطيط لإشعالها، ولن نكون ثوريين حقيقيين وسياسيين أذكياء إذا مكناه من تحقيق هدفه .
موقف باسندوه في مجلس النواب، القائم على استشعاره بخطورة الحالة العامة، وتعبيره عنها بتلك التلقائية وذرف الدموع، قوبل باحترام الشارع، والذي لخصه المهندس عبدالملك المجاهد بقوله : "أول مرة أشاهد مسؤولاً يمنياً في هذا الموقع وبتلك التلقائية والبساطة والصدق في التعبير، تمتزج دموعه بدموعنا خوفاً على البلاد، وأول مرة يحدث أن يبكي مسؤول خشيةً علينا ولا يبكينا".
لم نألف هذا النوع من المسؤولين والخطاب غير التقليدي، فكل من عرفناهم في المراحل السابقة لا نرى منهم سوى النخيط والكذب والاستهبال، لقد استحق باسندوه كل احترامنا وثقتنا .
أما الأستاذ نبيل الصباحي فيقول :" لقد تأثرت خلال الأشهر الماضية بالحملة الموجهة ضد الرجل، غير أنني الآن أحمل له كل المحبة، فقد شهدت وسمعت رجلاً مختلفاً، أتمنى له التوفيق والنجاح".
لم يهدف باسندوه إلى استعطاف أحد، أو حشد التأييد لنهجه السياسي ، بل بدا مسؤولاً شجاعاً عن كل ما يترتب على الظرف العام ومعطيات مرحلة استثنائية لم يعشها البلد من قبل .
كلي ثقة بأن المستقبل القريب سينصف الأستاذ باسندوه والمشترك وسيوقد صوابية نهجهم وحكمتهم، وإن التاريخ سيؤكد للمرة الألف بأن شطحات المراهقين وعديمي الأفق السياسي لا تقود عادةً إلى النهايات السعيدة.
علي عبدالملك الشيباني
دموع الثورة السلمية 1583