إن ثورة الشباب هي تجسيد لحب اليمن في صورة حية من لحم ودم، فالوطن الذي آمن به الشباب وطن يستحق أن نبذل له كل ما نملك، وأن نقدم أرواحنا قرابين لحبنا الكبير له، وأن نعتصم في الساحات لننقذه من قبضة المتسلطين، الذين استبدوا باليمن واليمنيين، وساموهم ألوان الاضطهاد، واجتهدوا في تفتيت اليمن، ونشروا قوات الأسرة في أرجاء اليمن، تقتل النفس وتسفك الدم وتنشر الخراب، وتدمر الممتلكات، وتخيف الآمنين، وتقلق السكينة العامة، وتقطع أرزاق الناس، وتمنع وصول الشاحنات بالوقود، فهي سلطة مرتزقة تمول الإعلام بأموالنا، فيهتكون أعراضنا، ويوزعون أموالنا للبلاطجة، ويبعثرونها على القتلة في بلطجة لم تشهد لها اليمن مثيلاً.
لقد أظهرت ساحات التغيير والحرية في كافة ميادين الثورة الشبابية، في أمانة العاصمة ومحافظات الجمهورية، حب اليمن في قلوب أبنائه الشباب والشابات، وهم يهتفون بهتافات الثورة التي لم تتوقف حتى تحت زخات المطر، تلك الهتافات التي نبعت من منبع واحد هو منبع حب اليمن في القلب اليمني على امتداد الوطن.
إن الثورة الشبابية أظهرت بجلاء المعدن النفيس للإنسان اليمني، وأبدت صورة اليمني المتيم بحب الوطن، المسكون بعشق اليمن، المتفاني في التضحية لأجل اليمن، ولم تكتف ساحات التغيير بهذا، بل أكدت كذلك ما يمتلكه اليمنيون من حكمة، وما يجيدونه من صبر ومصابرة ومرابطة، وما يتمتعون به من وعي عال، وحس مرهف، واستشراف للمستقبل بصورة أدهشت المراقبين للأحداث والمحللين السياسيين والاجتماعيين.
إن الثورة الشبابية الشعبية أعادت لدى كثيرين - في الداخل والخارج- اكتشاف اليمن إنساناً متحضراً، وثقافة تقبل التنوع، وجيشاً وطنياً، لا جيشاً عائلياً، ومجتمعاً متعايشاً مع كافة عناصره، وشعباً عظيماً له إسهاماته الحضارية الكبرى في تاريخ الإنسانية، وأمة ملتحمة الوحدة، متراصة الصفوف، ثاقبة الرؤية، تدرك أن التنوع هو الأصل، وأن الاختلاف لا يفسد للود قضية.
وأصبحت ساحات التغيير معملاً كبيراً لتفاعل الآراء، فهنا في ساحة التغيير يجري أكبر حراك فكري وثقافي ومعرفي واجتماعي في الساحة اليمنية منذ ثورة سبتمبر وأكتوبر المجيدة، فقد تحولت ساحة التغيير إلى منتديات فكرية واجتماعية تتدارس مشكلات اليمن وتقدم الحلول لها، وتعد البرامج للخروج من الأزمات الكثيرة المزمنة، وتتفاعل فيها الآراء بين المحاضرين من أهل الاختصاص في كل علم وبين المشاركين، وتوثق في صور عدة، إن ساحة التغيير تحولت إلى مصنع للرؤى والاستراتيجيات، وميداناً للتثقيف والتعريف.
إن الإنسان اليمني جاد ومعطاء حين يمتلك قراره، وكل هذا يجعلنا ندرك أن هذا النظام الفاسد كان قيداً مجحفاً، وغُلاًّ شديداً، حوّل اليمن إلى سجن كبير، تتجه السلطة الظالمة فيه إلى قتل المتظاهرين السلميين في اعتصامهم السلمي، لأنهم طالبوا بحقهم في التغيير، وعبَّروا عن مطالبتهم برحيل الفساد.
لقد أثبتت الثورة الشبابية الشعبية أن الحرية والمساواة تورث الحب، وتقوي اللحمة الوطنية، وتوثق وحدة الجسد اليمني العظيم، فهنا تتساوى الآراء، وليس أحد وصياً على أحد، وكل رأي له قيمته، ويستطيع صاحبه التعبير عنه، ويلقى التفاعل معه، والاهتمام به.
يبقى أن نقول إنه إذا وجد بلاطجة فهنيئا للنظام بهم، هنيئا له فالطيور على أشكالها تقع، فلو كان النظام فيه ذرة من وطنية ما قتل مواطنيه، ولو كان فيه ذرة من حمية يمنية ما ضرب النار على العزل الذين يتلقون الرصاص بصدور عارية.
إن حب اليمن وعشق الوطن والولاء للشعب اليمني العظيم والانتماء الصادق لهذه الأرض وتاريخها المجيد، هو الذي أخرج هذه الثورة الشبابية الشعبية المباركة، والتي تضم اليمن كل اليمن، إن هذه الساحات والميادين هي التجسيد الحقيقي لحب اليمن، فمن أجل اليمن ينام هؤلاء المعتصمون على الإسفلت، وهم من يمتلكون البيوت والمأوى، ومن أجل اليمن يعتصمون في الساحات والميادين، ومن أجل اليمن نصبوا الخيام، ومن أجل اليمن قدموا التضحيات الجسام، ومن أجل اليمن يتلقون الرصاص الحي من القناصة القتلة بالصدور العارية، وهم يهتفون سلمية سلمية، والموت يحصد الأرواح البريئة، فيصبرون لأجل اليمن ولا ينجرون إلى دائرة الدم، ومربع العنف الذي يحاول النظام جاهداً جرجرتهم إليه.
إننا نقول للدنيا بأكملها وللعالم بأجمعه وبصوت مرفوع: إن حبنا لليمن مشفوع بالبرهان، ومصحوب ببذل الدماء، وهؤلاء المعتصمون الأحرار شباباً، وشيوخاً، ونساءً، وأطفالاً، يستشعرون معاني الوطنية الحقيقية في التضحية بالنفس والنفيس لأجل أبناء اليمن.
د. محمد عبدالله الحاوري
تجسيد حب اليمن في صورة حية 2133