هل يمكن أن نرى من بركات الثورة الشبابية أن تكون الثقافة وزارة وسلوكاً وممارسة، هدفاً سامياً نسعى إلى تحقيق متطلباته؟ أم أيحق لنا أن نحلم أن تكون وزارة الثقافة وزارة سيادية؟ وهو مقترح تقدم به وزير سابق، والمقصود بسيادية في مصطلح الوزير كما أجزم هو ما قد أقصده بالحديث، لا ما يُفهم من مجريات السيادية التي فهمها كثير من متنفذي البلاد، تلك السيادية المنطوية على الهبر والسفريات والأثاث.
هذه الوزارة المفرغة الدلالة – غالباً- والتي تعتمد على جهود القائمين عليها فقط، هذا على الأقل ما نراه ونلمسه والغيب لا يعلمه إلا الله.
عموماً تخيلت في يوم من الأيام أن الوزارة أصبحت ضمن أولويات العمل الحكومي شأنها شأن الخدمات والتعليم والجيش، ولِمَ لا؟! أليست مثلها؟، بل ربما هي في الأهمية في بعض المقامات أولى وأهم؟!. لقد ابتلى الله الأمة العربية بمنظرين يفرطون في الطلب، ومنفذين يقصرون عن بلوغ الأرب لعجزهم وتخاذلهم وأكلهم المال المشبوه، من حقوق النثريات، والتحايل على السفريات وورش العمل وإعداد التقارير ذات الصيغة الإعلامية المفرقعة.. نتمنى على وزارة الثقافة أمنيات أمل أن الأخ الوزير من الصنف البشري القارئ المتابع، لا المطنش.
ولأني يمني أتحرق شوقاً بقدر ما أتمزق ألماً، أما الشوق، فلعلمي وإيماني بذكاء اليمانيين وقدرتهم على الإبداع، فنتشوق ليأتي اليوم الذي نرى فيه التقدير الملائم لهذا الإبداع محلياً ودولياً، أما التألم فلأنك ترى عجباً، هذا رئيس السلطة التشريعية في البلاد، اللهم لا تهكم، أرجو أن تتابعوا طريقة حديثه وإبداعاته، وذاك قائد في الجيش أو الأمن لا يجيد إلا التعامل مع شؤون الأفراد والكاتب المالي، وهذا رئيس جامعة يحسن استقبال أمين عام الجامعة والمدير المالي وما عداهم، فلا ردهم الله، فليسوا من اختصاصاته، وكم يستعرض المرء من هذا القرح.
عموماً هذا استطراد في غير موضعه، أما الثقافة، فلها مؤسسات ولها سلوكيات وهنا سيكون البدء بالمؤسسات التي تُفَرَّخ ظاهراً ولا تعمل ميدانياً بقدر ما هو مطلوب منها أو مؤمل فيها، المؤسسة الأولى الكتاب وما يتعلق به طباعة ونشراً وتأليفاً وترجمة، لدينا هيئة عامة للكتاب، كم من المطبوعات قد نشرتها لرفع اسم اليمن؟ وما هي؟ مجرد تساؤل لا إنكار. وأطرح هنا سؤالاً هل بإمكان الهيئة العامة للكتاب أن تكون مؤسسة ضمن وزارة الثقافة لنقضي على هذه الازدواجيات ولتكون مؤسسة تنفيذية تابعة للوزارة حتى لو بدرجة الوكيل مع تحديد الأطر والصلاحيات والمهام، ألا تستطيع هذه المؤسسة أن تتبنى مشاريع مستدامة ذات رؤية واضحة الأهداف والمراحل؟، أليس بإمكانها أن تتولى طباعة ونشر مئات الكتب والكتيبات سنوياً وتعمل على نشر التوعية وتبييض وجه اليمن محلياً وإقليمياً. تدخل إلى المساجد فلا تجد لفافة ورق مطبوعة يمانية لفقيه معروف عن الصلاة ومحذوراتها، على سبيل المثال فقط.
ينبغي ونأمل من الثقافة وهيئة الكتاب التنسيق مع مراكز التعليم والبحوث والجامعات والمؤلفين في شتى صنوف المعرفة والفن لتقديم إنجازاتهم وتتولى الوزارة نشرها وفق رؤيتها الوطنية، هذه من جانب ومن جانب آخر يكون لها مشروع سنوي مستقل عن المطبوعات المتنوعة، مثلاً ليكن هذا العام عام جمع التراث اليمني والإعلان عن ذلك ليكون في صورة مطبوعات في مرحلة زمنية محددة. وفي الوقت نفسه يسير الجانب اخر من المطبوعات التي ليست ضمن هذا المشروع، وليكن العام التالي عام السرد والدراسات السردية في اليمن، وهكذا. يمكن الوزارة أن تتبنى الفلكلور اليمني توثيقاً...، وتعريفاً...، وإشهاراً...، وبعيداً عن الفئوية؛ لتكون ثقافة تطورية تنشر اسم اليمن عالياً خفاقاً وهو كذلك رغم ما شابه من التلطيخ أحياناً.
تصور معي أن يتم الإعلان عن مطبوع يصدر عن الوزارة الهيئة أسبوعياً، سيكون في آخر العام أكثر من أربعين مطبوعاً، يتوازى معه أحاديث نقدية لنقد المطبوعات الصادرة والترويج لها إعلامياً في الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، وعلى أن يشمل برنامج المطبوعات برنامجاً لتحقيق المخطوطات ونشرها، وحديث المخطوطات حديث ذوشجون نصل إليه لاحقاً، أعتقد بل أجزم أن الوزارة ستتلقى مئات الأعمال التي عجز أصحابها عن طباعتها، أو عَدَلُوا عن التفكير في إتمامها، وهي إذ تستقبلها منهم وتضعها في تصنيفاتها وفق خطتها بما يحقق لها رصيداً وافراً من المطبوعات يكفي لسنتين على الأقل بمعدل ثابت ومستقر أسبوعياً، وتشهر المطبوعات ذات القيمة العليمة أو الفكرية أو الأدبية محلياً وعربياً وتهدى للهيئات الدبلوماسية ومراكز البحوث والجامعات والمراكز الثقافية أعداداً، منها لتكون ذات يوم موضع اهتمام الباحثين والدارسين؛ ولننتقل من الحراك السياسي، والمهاترات الإعلامية، والمناكفات الحزبية، إلى الحراك الثقافي والإبداعي.
د. أمين عبدالله اليزيدي
عن الثقافة وهمومها 1989