;
توفيق الخليدي
توفيق الخليدي

لثورة الشخصية 1972

2012-01-30 03:50:36



في زمنٍ مضى و من سنوات – عدة - خلت كان الفساد موجوداً، لكننا كنا لا نراه بادياً للعيان، حتى أن الفاسد لا يريد أن يعرف أحداً عن فساده، فضلاً عن أن يراه يتقاضى الرشوة مثلاً, فتراه متخفياً يواري سوأته ببذل جهد إضافي بما لا يشوه صورته المرسومة في أذهان مجتمعه, وإن فاحت رائحة فساد أحدهم وتسربت للآخرين تراهم غير متقبلين له بل وربما قاطعه أقرب المقربين له ليس من أصدقائه فقط بل ومن أسرته أيضاً..
 كان المجتمع في ذلك الزمن متمسكاً بقيمه، معتزاً بمبادئه في صورة نقية تعكس أصالة اليمني وتكشف نقاء معدنه الصافي، ومع مرور السنين تكرست المصلحة والأنا في حياة الناس ثم بدأ التخلي عن تلك القيم والمبادئ حتى غدت الرشوة كحق يطالبك بها المسئول أو الموظف عياناً لا يخشى في ذلك أحداً فقد غابت الرقابة الحكومية والمجتمعية والذاتية قبل هذا وذاك، بل وجد من الأصدقاء وأفراد الأسرة ما أن يسمع عن قريب مرتشٍ إلا تراه يقول : المهم رجّال صلّح أموره تمام، بل وترى أحد الآباء مثلاً يسعى لشراء وظيفة لولده في مكان حساس يستطيع من خلاله أن يحصل على مبالغ كبيرة دون اعتبار للحلال والحرام أو طرق استجلاب تلك الأموال بل وتجد أحد الموظفين يبذل قصارى جهده لتحويل وظيفته إلى موقع يجد من خلاله فرصاً أكبر للحصول على الرشوة، ويتحدث بهذا صراحة والناس من حوله يباركون بل وزملاء له يغبطونه على ذلك، بل أصبح اللف والدوران والحصول على الأموال بطرق ملتوية -لا تخلو من الظلم- سمة بارزة في المجتمع حتى أننا لنرى مثل تلك الممارسات في داخل الأسرة الواحدة أحياناً, في مشهد أخلاقي بائس, صور كثيرة مثل هذه تعكس حقيقة مؤسفة عن تعايش المجتمع مع الفساد واستمراء الناس للفساد وكأننا في حال طبيعي بل وأكثر فترى أحدهم يقول لك بمنتهى البساطة اعطه (حقه) وهو بيمشي أمورك!!
هذه الثقافة التي تسربت بفعل الفساد الذي تربع على مؤسساتنا الحكومية ومن ثم انسحب على كافة تصرفاتنا لتصبح المصلحة غاية يسعى إليها الكثير إن لم نقل الجميع دون اعتبار لقيم الحلال والحرام أو تأنيب الضمير لأكل أموال الناس بالباطل, وتراهم يبررون لأنفسهم ممارسات الكذب والنصب والمراوغة إلخ، بأنها رجولة وحذاقة وغيرها من التبريرات الغير منطقية والتي تتنافى مع أبسط معاني الأخلاق العربية فضلاً عن الدينية، مؤلم جداً أن نعترف بحقيقة كهذه وأن يغدو الأمر بهذه الصورة السيئة حد القهر على وطن بلغ منه الفساد هذا المبلغ، كما أنه لابد من مواجهة تلك الأخطاء بما يوقض أجمل ما فينا من قيم..
 هنا وفي ظل هذه الظروف الثورية التي عمت الوطن تحتم على كل فرد أن يثور على ذاته وأن يعيد حساباته مع تلك الأخطاء التي أغرقته في التيه وهو غير مستوعب لما هو فيه، في تغييب أحمق للتفكير ليتقبل أحدهم تقاضي الرشوة أوتضييع حقوق المواطنين وغيرها من الممارسات التي تؤثر في حياة الناس بدافع الحصول على المال, فكيف استطاع ممارسة حياته الطبيعية وقد ملأ بطنه من حرام؟! وكيف استساغ أن يطعم أولاده من الحرام؟! بل وكيف هنأت حياته وهو ينام ويصحو والحرام يحوطه من كل مكان؟!.
 إننا بحاجة إلى العودة ومراجعة تلك المفاهيم التي تلبستها الضبابية ولننفض عن حقيقة هذا المجتمع الذي قال عنه المصطفى صلي الله عليه وسلم إنه مجتمع إيمان وحكمة وأن الرقة صفة ملازمة لقلبه الطيب، يجب أن نتخلص من مخلفات العهد البائد وأن نعود لطبيعتنا كمجتمع يمني أصيل لا يقبل أن يتقاضى الرشوة أو أن يتسبب في تضييع حقوق الآخرين وغيرها من التصرفات التي تعني الغرق في وحل الخطايا دون إحساس بالذنب أو المسئولية الوطنية التي سيقف أحدنا أمام الله مسئولاً عنها يا فلان لمَ ضيعت الأمانة؟،وأيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به.
 لذا ونحن نقود ثورة ضد الفاسدين الكبار في مجتمعنا لا يجب أن ننسى الفساد الشخصي إن كنا نمارسه، كما أنه على المجتمع أن يصحو من غفوته وأن يمارس دوره كرقيب أساسي على كل ما من شأنه تعطيل الحياة وإفساد جمالها، مستشعرين المسئولية الوطنية وقبل ذلك المسئولية أمام المولى عز وجل في الإنكار على المفسد, والساكت عن الباطل شيطان أخرس وأيما مجتمع حافظ على قيمه فلن يستطيع ضعاف النفوس أن يجبروه على تقبل الفساد والانصياع للظلم وجبروته، لقد حان الوقت للتغيير الجذري والذي يبدأ من الذات ليعم الوطن بعد ذلك ونعيش جميعاً في ظل وطن جميل ينال فيه كل ذي حق حقه دون أن يضطر لدفع مال أو الاستقواء بسلطة ظالمة، التغيير بيدنا جميعاً ونحن من نتحمل مسئوليته وإلا فإننا لم نفعل شيئاً يستحق كل هذه التضحيات.

تغريدة..
تغيير العالم من حولك يبدأ من تغييرك الداخلي, فعالمك من صنعك أنت فابدأ بنفسك

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد