11فبراير بداية للعام الثاني علي انطلاق مظاهرات الثورة الشبابية السلمية التي قادت الشعب اليمني الي ثورة "الحادي عشر من فبراير ".. ليمر العام الفائت مشحوناً بالتوتر والشد والجذب والطرد كأن عدة مجالات مغناطيسية تداخلت وأربكت صدمة التغيير، الجميع ما بين سعادة الانتشاء بنشوة الحرية وبين قلق وخوف علي استقرار الوطن وكأن حياتنا لم تعد قائمة على بُعدي الزمان والمكان فقط, بل أصبح التشويش داخلنا بُعداً آخر أشد تأثيراً لأنه بُعد نفسي،اصبح مُعرضاً لمدة عام كامل لحالة من الصعود والهبوط المعنوي اليومي. وفي ظل هذا المناخ النفسي للإنسان والوطن طوال عام من الزمان كان طرح الفنون التشكيلية جزءاً من هذه السعادة والقلق متداخلين مع كل حدث طوال الوقت.. لذلك حين أقدم لأعمال فنية أُنجزت خلال عام الثورة سأقدم معظمها وليس أفضلها أي انني سأقدم طرح الثورة أو طرح ما في جوف الحركة التشكيلية خلال عام بكل ما تحمل اللوحات والمنحوتات من طيات لمشاعر صادقة وان كانت مشوشة أو منتقصة لقيمة فنية كبيرة. ونلاحظ ان حملة لوحة الثورة مظهرها المتمثل في المظاهرات الشعبية دون الاقتراب او حتي محاولة طرح فكر الثورة, فكانت معظم الاعمال الفنية معبرة عن مظهر او حالة بلد بها ثورة وليس عن الثورة ذاتها..
وهذا أدي لاعتماد معظم الفنانين إما علي التسجيل البصري الحرفي بل والنقل من الصورة الفوتوغرافية حرفياً.. أو اعتماد البعض علي الرمز وهؤلاء كثيرون ممن اعتمدوا علي العلم اليمني او استسهلوا رسمه للتعبير عن الثورة،بينما علم اليمن هو سيرة ذاتية للوطن غير مرتبط فقط بالثورات فهو رمز مطلق وعقيدة انتمائية راسخة لذلك استخدموه كرمز يسهل علي المشاهد البسيط ادراك مضمون العمل الفني من وجود العلم.. وآخرون اعتمدوا علي رسم أكف رافعة علامة النصر أيضاً للتعبير عن الثورة.. وشباب فنانين اعتمدوا بتقنياتهم الحديثة علي المزج بين الصورة الفوتوغرافية تكنولوجياً والكلمات والجمل المنقولة نصاً من ملصقات او اعمال جرافيتية ظهرت علي لافتات ساحات التغيير والحرية, مضيفين إليها تقنيات جرافيكية عالية القيمة التعبيرية،فجاءت اعمالهم جامعة بين الصورة الواقعية والرمز مع الصوت وأقصد بالصوت الكتابة والكلمات التي ترسم الصوت ليكرره المشاهد اثناء مشاهدة العمل الفني فيكون منطوق الكلمات مسموعاً داخله في معايشة ومدلول الكلمة.. وفنانون آخرون اعتمدوا على التعبير عن الثورة برسم وجوه شهدائها تكريماً وتذكيراً بهم وقدم الفنانون وجوههم بأساليب فنية تبعا لمنهج كل فنان لكن بذات المعني التسجيلي دون المفاهيمي في شكل متراص للوجوه دون رؤية وبُعد حقيقي لما قدمه شخوص هذه الوجوه ثمناً للحرية. وبدت الحركة التشكيلية مزدحمة بالأعمال المُسماة بلوحات الثورة من فيض ما فاض داخل كل فنان تبعا لرؤيته للحدث في ظل عواطف متأججة.. وقد ندر ان ظهرت اعمال فنية تحمل صورة لرؤية مستقبلية او رؤية لما يهدد الوطن.. وهذا ليس انتقاصا من قيمة العمل أو دور الفنان الذي لم يظهر جليا ومؤثرا حتي الآن في مسار الثورة.. وهذا ما اعتدنا عليه من العجلة الانفعالية لدي الانسان اليمني سواء كان فنانا ام لا.. فقد اعتدنا ان يتخذ الفن صورة رد فعل متعجل في حالة سباق عن الفعل.. وان يكون شاشة عرض خارجية وليس مادة العرض ذاته. ولاحظنا وجود فنانين مازالوا ينتظرون اكتمال مقولة الثورة التي لم تكتمل وظهورها بكامل ابعادها ليقدموا فناً لا يكون مبتور الرؤي ولا منقوص الرؤية خاصة وحتي الآن لم تكتمل اركان الثورة بأهدافها وما نادت وقامت من اجله..وهناك فنانون ينتظرون ان تهدأ الثورة الحماسية داخلهم حتي تتضح الرؤية ويمكنهم تقييم النقلة الفكرية لروح الثورة وافكارها اعتمادا علي ان اللوحة المعبرة عن الثورة تطرح افكارا اكثر من مجرد مشهد بصري عابر والتي قد تدوم طويلاً كما في عمر الثورات.. ولأن أكثر ما ساد الأعمال الفنية هو الرمز خاصة " العلم اليمني" لذا سأتطرق الي العلم رمزا وفكراً ومعالجة جمالية.. ويمكننا تلخيص ماهية الرمز بأنه في ادراك أن شيئاً ما يقف بديلاً عن شيء آخر أو يحل محله بحيث تكون العلاقة بين الاثنين هي علاقة الخاص بالعام أو المحسوس العياني بالمجرد.. والرمز الكامن في اللوحات الرمزية هو في الغالب قصة قطرتها الايام ترمز الي قوتها الكامنة فيها. وان عدنا الي العلم اليمني الذي بدا في بعض اللوحات وكأنه علامة معلقة علي الجدار بل ربما معلق علي سطح الجدار امام اللوحة. يجعلنا نتساءل : لماذا نقول علي العلم اليمني داخل لوحات الثورة هو عمل فني وليس بعلم ؟ بينما العلم الذي نراه ايضاً مرسوماً علي جدار مبني نراه كعلم وليس كعمل فني.. فهل لآن العلم اصبح قطعة كلاسيكية محتفظ بذاته او بتاريخه داخل اللوحة ؟ ام ننتظر من الفنان ان يكون سياسياً وطنياً اكثر منه مقدماً لثقافة شعبية ؟.. أعتقد ان الأكثر منطقية ان العلم لا يرجع للمكان او الزمان الذي يطرحه ففي اي زمان ومكان نجد العلم مكتفياً بذاته كسيرة ذاتية للوطن هذا بالرغم من طرح الفنان له بشكل عفوي أو بسيطرة واعية منه. وجمالياً.. العلم نراه كائناً حيوياً مسطحاً.. قد يوحي بالتسطيح أو النقص النسبي في العمق الذي يستعيض به بكونه كائناً يرمز بشكل كامل عن فكرة عادة ما تكون متشعبة العمق والأبعاد.. لذلك هل يُفضل الفنان رسم أم بناء "علم " اكثر صلابة واكثر هوية ؟.. او بطريقة أخري أكثر حقيقية من الكلمات ؟.. ام يسعي لتقديمه أكثر غموضاً وتعقيداً في سياق تواجده من الواقع ؟ خاصة أن العلم يكمن داخله حس وطني غامض.. وهو ايضاً رؤية ومُضاهاة وبطولة. وأيضاً أدبياً ادرك احياناً العلم كأنه رواية عظيمة تُجسد حقائق مُعقدة مُتداخلة تخفي أحداثاً بسيطة وهائلة في ذات الوقت. ولكن الفنان اليمني لم يقدم من العلم الجزء الادبي،لكنه في قليل من اللوحات قُدم علي انه هو ذاته اللوحة الفكرة والمضمون والشكل أي اصبح العلم هو اللوحة متخطياً الجانب الحكائي إلى البصري الجمالي الآخذ في التمدد والنمو في عناد والإيحاء في نفس الوقت بالميتافيزيقية مما يجعل هذا الكائن الحيوي ينطلق حراً إلى ما وراء حدود اللوحة والحدث.
Arb4sms@gmail.com
فهد ناجي علي
الثورة.. لوحة لم تكتمل!! 2397