كثيرون ممن يغوصون عمقاً في بحر السياسة النجس، فسّروا بسخرية موقف باسندوه حين خشع قلبه بالوطنية، فخرت عيناه باكيتان.. أنا لا استغرب تفسير هؤلاء لأنهم اعتادوا بأن الساسة لهم قلوب لا تخشع وعيون لا تدمع، فهذا الموقف الاستثنائي بالنسبة لهم جعلهم يشككون بمصداقية اللحظة التي عاشها هذا الرجل العظيم الذي دفعته الشفقة بهذا الوطن إلى أن يتناسى نفسه أمام العالم ويظهر بحقيقة إيمانه بالمسؤولية تجاه أوجاع الوطن.
ما أجمل الثورة.. وما أعظم ما أنجبت لنا وإن كان مخاضها صعباً، إلا أنها أخرجت من رحمها رجلاً بحجم وطن، رجلاً سيستعيد به الوطن أنفاسه التي كاد أن يفقدها وهو يركض بسرعة ليُسابق أولئك الذين يقودونه إلى زاوية مظلمة لا مصير لها، فالبلد قد وصل إلى مرحلة لا تحتمل مزيداً من المكابرات والمكايدات التي عادةً ما يكون ضحيتها شعب مظلوم ووطن مغلوب على أمره، إن أمهات وزوجات وأخوات وأقرباء الشهداء يعلمون بأن التضحية التي قاموا بها الشهداء من أجل مستقبل اليمن وكل ثورة لابد من أن تكون لها تضحيات، تلك الأرواح الطاهرة والدماء الزكية كانت من أعظم التضحيات التي ُقدمت في سبيل الوطن الذي لن يصل للرقي والتقدم إلا بتغيير كل ما هو فاسد على أرضه، لذلك فإن التكريم الحقيقي لأولئك الشهداء بأن نسعى لنقود الوطن إلى دروب الخير والصلاح ونبعده عن المكايدات، فقد انتصرت الثورة بتحقق أهم أهدافها وهو رحيل نظام صالح.
الآن يجب أن نجند أنفسنا وأفكارنا لبناء وطننا الجديد الشامخ، بدولة مدنية حديثة تنبض بالخير والعطاء والتسامح وتنبذ ثقافة الكراهية والانتقام، فلنقف جميعاً بموقف نجد فيه عظمة ذاتنا كموقف ذلك الرجل الذي أجبرنا على احترام موقفه وعلمنا بأن حب الوطن ليست شعارات وإنما شعائر نؤديها في كل لحظة فوق ترابه الطاهر، لنثبت للعالم بأن قُدسية الوطن فوق قُدسية الأشخاص وبأننا بالفعل شعب حكيم ستقودنا الحكمة لتقرير مصير وطننا وليست الهمجية والتطرف، فلنمنح أنفسنا فرصة كي نتسامح مع الواقع، ألا يكفي أننا أصبحنا نتحدث بلغة الحُرية ونرتدي شموخ الكرامة، فهذه الملامح الحضارية كفيلة بأن تجعلنا نعيش برقي وحضارة، فقد حققنا بشهور ما لم نستطع تحقيقه لسنوات، فمنهجية الثورة رسخت بعقولنا ثقافة الاستقلالية التي مؤداها بأن نتصرف وفق قناعتنا ولا نقبل أن نكون تابعين لأفكار الآخرين وقناعتهم وهذا التصرف مضمونه أن مصلحة الوطن فوق كل شيء وأن هذه المصلحة تقتضي أن ندفع الضرر الأكبر بضرر أخف .
* بقايا حبر:
وطنيتك أقسمت بمصداقية عيناك، لذلك دموعك لا تكذب سيدي، فبكاء قلبك أبكى قلمي.. الذي يسطر حبره استغفاراً، لكل من تطاول على قٌدسية موقفك!!.
naaemalkhoulidi23@hotmail.com
نعائم شائف عون الخليدي
باسندوه.. رجل بحجم وطن 2079