اللسان والكلام يؤثران تأثيراً كبيراً في حياتنا اليومية، والكلام الذي نقوله لا يذهب سُداً، وإنما يُسجل في دفتر حسناتنا وسيئاتنا (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
والكلام هو العامل المؤثر في حياتنا ومواقفنا وواقعنا، والمعبر عن رغباتنا وحاجاتنا، فإذا كان كلاماً إيجابياً متفائلاً أثر بشكل ايجابي على النفس وولّد بداخلها شعوراً بالرضا والطمأنينة والسعادة، والهدوء النفسي والاستقرار العاطفي.
وإذا كان كلاماً سلبياً متشائماً، فإنه يحطم النفس البشرية ويدمرها، ويقضي على مكامن القوى الداخلية فيها.
الناس للناس:
لا يستطيع الإنسان أن يعيش بمعزل عن الآخرين، فهو بحاجة إلى وجود أناس يشعرون نحوه بالألفة والمحبة، والتقدير والاحترام.
وقد اقتضت سنة الله في خلقه أن جعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، والعامة تقول "الناس أوحاش حتى يتعارفوا" و"اللي ما يعرفك يجهلك"، لذا كان لزاماً على الإنسان أن يخالط الناس، ويتقرب منهم، ويطلب محبتهم وودهم، ويحسن إليهم، فقد حث الله تعالى على الإحسان إلى الناس فقال: "وقولوا للناس حُسناً" والشاعر يقول:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم × فلطالما استعبدت قلوب الناس إحسان
والاختلاط بالناس صار من الأمور الضرورية، فنحن بحاجة إلى مساعدة الآخرين، والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم، ولذلك قالوا " اليد الواحدة ما تصفق" وقيل في المثل الشعبي " لا أحد يستغني عن جاره ولو مردم بيته من ذهب" والرسول الأعظم يقول "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعض".
فنحن بحاجة إلى مشاركة الناس لنا أفراحنا وأتراحنا، وهمومنا وغمومنا، فالحياة بلا مشاركة الآخرين لا طعم لها ولا رائحة.
قيل وقال :
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال .."وقال أحد الشعراء:
لقاء الناس ليس يفيد شيئاً × سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الناس إلا × لأخذ العلم أو إصلاح حال
والحاصل أننا نعيش اليوم في زمن كثرت فيه مجالس الغيبة والنميمة، وانتهاك أعراض الناس، واكل لحومهم، ولذا يجب على المؤمن الفطن أن ينأى بنفسه عن مثل هذه المجالس التي لا خير يُرجى منها سوى تحمل الذنوب والآثام.
العزلة ومردودها الايجابي :
ليس بمقدور الإنسان أن يبقى بمعزل عن الناس بشكل تام، وأن يقفل على نفسه فلا يكلم أحداً، ولكن بإمكانه أن يقلل من الاختلاط إلا للأمور الضروريات، فللعزلة مردود ايجابي، وفوائد جمّة، وأثار ايجابية كبيرة على النفس البشرية، حيث يشعر المعتزل بالهدوء والطمأنينة والأريحية، خصوصاً إذا كان بدافع الابتعاد عن الأشرار ومجالس اللهو والضياع.. يقول الحافظ السيوطي:
إني عزمت وما عزمي بمنجزم × ما لم تساعده ألطاف من الباريِ
أن لا أصاحب إلا من خبرتهم × دهراً مديداً وأزماناً بأسفارِ
ولا أجالس إلا عالما فطناً × أو صالحاً أو صديقا لا بإكثار
ولا أسأل شخصاً حاجة أبداً × إلا استعارة أجزاء وأسفار
ولست أحدث فعلاً غير مفترض × أو مستحب ولم يدخل بإنكار
ما لم أقم مستخير الله متكلاً × وتابعاً ما أتى فيها بآثار
لسانك حصانك:
ختاماً.. اللسان سلاح ذو حدين، إن استعمل في الخير كان سبباً لرضوان الله، وإن استعمل في الشر كان سبباً لسخطه.
ولذلك يقولون "لسانك حصانك إن صنته صانك، وإن هنته هانك"، وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من يضمن لي ما بين لحيّيه وما بين فرجيّه أضمن له الجنة".
ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد علمنا أن لا نتكلم إلا حقاً وصدقاً "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".
وقد كان سلفنا الصالح شديدي الحرص على كلامهم، فقد روى أن سيدنا عمر بن الخطاب رأى أبا بكر الصديق رضي الله عنهما، وهو يمد لسانه بيده فقال له: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟! قال: هذا أوردني الموارد.
موسى العيزقي
لسانك حصّانك ! 2065