أمتنا العربية أمة إبداع ومنبت المبدعين، لكنها عندما فقدت أهم شروط نجاح الإبداع ضاع الإبداع وأضمحل المبدعون، فعلى مدى عقود من الزمن وقعت أمتنا ضحية الاستبداد السياسي المتمثل في قيام أنظمة استبدادية شمولية، سواء كانت أنظمة الحزب الواحد أو أنظمة فردية, فأدى ذلك إلى غياب الحرية، بالتالي غياب الإبداع لأن الحرية شرط أساسي من شروط الإبداع وغيابها يؤدى إلى غياب الإنسان الايجابي، بالتالي ظهور المجتمع السلبي الذي ينتهي الأمر به إلى السقوط في براثين التخلف الحضاري .
إن غياب الحرية يقابلها وجود نقيضها الاستبداد ولا يمكن لإبداع أن يتطور في ظل الاستبداد, فالاستبداد يحول بين الإنسان وبين الإبداع، فالمبدعون في ظل الاستبداد لا يشعرون بالآمان، بالتالي يعيشون كعبيد يدورون في فلك المستبد، حيث ما دار وفقاً لرغباته وأهوائه, "العبيد لا يبدعون لأنهم فاقدو الإرادة ".
كما إن الاستبداد يؤدى إلى ظهور الفساد والمحسوبية وتقديم غير ذوي الكفاءات على حساب أصحاب العقول النيرة، مما يؤدى إلى إصابة المبدعين بالإحباط واليأس، هذا يؤدى إما إلى غيابهم وانسحابهم عن الساحة أو رضائهم بالأمر الواقع وتحويل إبداعهم من إبداع يخدم الأمة ورسالتها الخالدة إلى خدمة المستبد وتحقيق نزواته .
النهوض الحضاري الذي ننشده لابد أن يبدأ من العودة إلى تحرير الإنسان المسلم من كل القيود والأغلال، وتعليم الأجيال القادمة معنى الحرية الحقة ورفض الاستبداد بكل أشكال، فإذا ما عرفت الأمة طريق الحرية، فإنها حتماً سوف تعرف طريق الإبداع والنهوض الحضاري وأعتقد أن هذا قد ظهرت ملامحه بشكل واضح من خلال ثورات الربيع العربي التي انطلقت مطلع العام المنصرم ومازال المواطن العربي يعيش زخمها حتى اليوم، فهذه الثورات حررت الإنسان العربي من كابوس الخوف وجعلته ينطلق بكل قوة إلى ميادين الحرية والتغيير يطالب بحقوقه دون خوف .
تيسير السامعى
الحرية والإبداع 2001