سُر الثوار كثيراً برحيل صالح وإن لم يكن خروجاً أخيراً, فالمعلومات تقول إنه عائد لمزاولة العمل السياسي بعد الانتهاء من فترة العلاج، كما أن أحد أهم شروط العلاج في بلاد العم سام أن يتم تحديد فترة الزيارة أي أنها لا تقبل بقاؤه فيها إلا لفترة محددة فقط، إلا أن المصادر تتحدث عن خروج أفراد أسرته معه هذه المرة وفي هذا دلالة على خروج الرجل من اليمن سياسياً على الأقل، أضف إلى كلمته الوداعية التي تكاد أن تكون الأخيرة أو ما قبل الأخيرة على أقل تقدير، لم نكن نتوقع أن ينتهي عهد هذا الرجل على هذا النحو ولم نكن نتخيل أن خروجه سيكون بهذه التكلفة فقط، فبالعودة إلى واقع اليمن وإلى الظروف المحيطة داخلياً وخارجياً، سنجد أن الأمر معقد وأن خروج رجل حكم اليمن لـ33 عاماً كرست للقائد الأعظم والحكم العائلي الأوحد ليس من السهولة بمكان، خاصة إذا ما علمنا أن اليمن هو الوحيد الذي يتواجد فيه أكثر من جيش تابع للحاكم يقوده أفراد من العائلة, لذا كان من المتوقع أن تكون العواقب وخيمة وأياَ كان الأمر مخيفاً فقد عزم اليمنيون على تغيير واقعهم والخروج من عنق الزجاجة، كانت الحكمة حاضرة هنا وإن كان قرار الحصانة مجحفاً لآلاف الأسر، فإنه انتصار لهم أيضاً، فلو تعنتنا ورفضنا منح هذه الحصانة لكان البديل أشد وأنكى ولكانت الكارثة أشد فتكا، لذا فمن الحكمة أن ندفع عن الوطن مثل هذا الشر والمضي قدماً في بناء اليمن الجديد وهذا هو الهدف الأسمى الذي قضى من أجله الشهداء، فهم لم يموتواً لكي يقتل أحد ما، بل ماتوا من أجل حياة وطن، إنهم أسمى من ذلك فقد قضوا وهم يهتفون ارحل.
إن التنازل أو ترك السلطة بهذه الطريقة لم يكن ليحصل لو لم نتنازل عن شيء من أهدافنا وإن كان الأمر مؤلماً إلا أن الأهم هو تحقيق الهدف العام والأهم في مرحلة التغيير التي خاض خلالها اليمن أقسى صراعات البقاء, ومازال البعض لا يجيد سوى النقد فإن خرج البعض بالسلاح دفاعاً عن أنفسهم انتقدوا حمل السلاح وإن خرج الشباب بمسيرة وقتلوا قالوا هناك من يزايد بالدماء يجيدون فن النقد وتصيد الأخطاء، لكنك لا تراهم في ميادين المواجهة، إننا ندرك أن دماء اليمنيين غالية وأننا خسرنا في هذه الثورة كوكبة من الرجال والنساء لكننا أيضاً لا نريد أن نخسر مزيداً من هؤلاء بل سيكون الرقم مضاعفاً هنا لذا ليس من الحكمة أن نجازف وبإمكاننا تجنيب اليمن حرباً لن تستثني أحداً وقد تستمر لسنوات.
الأهم الآن أن نمضي نحو البناء وأن نرمم النفوس قبل أن نرمم الوطن، أن نعلن الحب في مواجهة الكراهية والحقد، إن الوطن أغلى وفي سبيل استقراره تم التنازل عن المحاكمة ومن الأولى أن يتنازل الجميع عن الانتصار لذواتهم ولنمض نحو الانتصار الجماعي للوطن ولنخرج من بوتقة الأحقاد التي تقتل صاحبها وتؤسس للشر، و مازلنا في بداية الخروج من العهد القديم وحتى نلج إلى اليمن الجديد سيكون علينا بذل الكثير الجهد ومواجهة العديد من التحديات الكبيرة التي لن يتم القضاء عليها إلا بتظافر جهود الجميع, إنه من الواجب علينا في هذه اللحظة التاريخية أن ننسى انتماءاتنا الضيقة ولننتمي للوطن كحاضن كبير لنا جميعاً، كفاناً صراعاً لم نجن منه سوى الدمار والتقهقر، سيكون من الواجب علينا الانكفاء على الذات من أجل لملمتها وترتيب الأوراق من جديد ولنكف عن الكلام لنبدأ العمل ومن كان يريد الخير للوطن، فبدلاً من أن ينشغل بالتصريحات وتنضيراته الإعلامية التي لا تنتهي، فليتجه للعمل وليرينا ماذا باستطاعته أن يفعل، كما يجب علينا أن ندرك أن تركة 33 عاماً لن يتم التخلص منها دون أخطاء، لذا فلنرفق ونحن نرقب الجديد ولا يكن همنا تصيد الأخطاء مع حاجتنا إلى التقويم والتقييم والنقد البناء بوطنية متجردة من الشوائب والأدران.
توفيق الخليدي
كلمة لا بد منها.. 1931