ثالثا: ممارسة ضبط النفس إلى الدرجة القصوى من أجل مناهضة نزعة الإقصاء السياسي الذي يوصف بكونه المخلب الوحشي للاستحواذ، حيث تلعب الثقافة القبائلية والثقافة المتبدونة دوراً كبيراً في تمكين هذه النزعة داخل العمل السياسي المعاصر على خلفية مخيفة من ممارسة هذا السلوك، فعرف بكونه وسيلة للاستئثار على السلطة أياً كان نوعها وشكلها، سلطة الأب أو الأخ الأكبر أو البابا أو الفقيه أو خطيب المسجد أو خطيب المنصة أو قائد التنظيم أو قائد الحزب أو رئيس هذه الجمعية أو تلك المنظمة وهناك إقصاء سياسي واستبعاد اجتماعي لطبقة "الأخدام مستدام.
ودارت حروب طاحنة منذ 1962م و1963م في كل من الجنوب والشمال داخل السلطة السياسية "السلطة التنفيذية" والسلطة الحزبية ليس فقط بسبب شبكة المصالح للأفراد والجماعات السياسية بل وبسبب رسوخ نزعة الإقصاء عند القيادات التقليدية والقيادات التي أرتدت الزي الحداثي وشكلت النزعة الاقصائية في العمل السياسي كأهم وأخطر تحدٍ وعائق حال دون الشراكة السياسية وتطور العملية السياسية وكانت حرب صنعاء ضد الجنوب سنة 1994م بداية لعملية إقصائية خطيرة أدت إلى إقصاء أبناء الجنوب من الشراكة السياسية والإدارية "مدنياً وعسكرياً" أدى إلى ردة فعل سيئة تمثلت في الفكر الاقصائي الذي أنتشر بين أبناء الجنوب ضد أبناء الشمال بدون التفريق بين الجناة والضحايا والنموذج الآخر هو أن هذه الانتفاضة تتكئ على إقصاء الطغمة المهيمنة لكل أطياف العمل السياسي من المشاركة السياسية، والآن تتلقي هذه الطغمة الرد المناسب من الإقصاء المضاد وأن الإقصاء والإقصاء المضاد هما مناهضان للتنمية والحرية والديمقراطية ومن يريد للانتفاضة استكمال المهام عليه الحذر من الوقوع في فخ نزعة الإقصاء بكل أنواعه.
رابعاً: تجنب النشوة "الفشرة" والمواقف الانفعالية بمجرد الاستشعار بنصر جزئي في هذا المكان أو ذاك الزمن ومغادرة مواقع الاستعلاء على الآخرين الذين انضموا إلى الانتفاضة بصورة متأخرة أو لديهم بعض التقصير كأن ينسب أحدهم البطولات لنفسه، فقد سمعنا الكثير من هذه الادعاءات، حيث سمعت أحد الشباب في الحافلة يتحدث إلى زميله هاتفياً يقول له: "أنا الآن عضو في رابطة الصحفيين في الساحة فإذا تريدنا إسقاط أي مسؤول فنحن على إستعداد لتنفيذ ذلك؟ إن هذا السلوكيات من "الفشرة والاستعلاء" تصاحب الهبات الانتفاضية ومن الصعب تحاشي تجسدها ولكن العمل الجماعي المنظم والمسؤولية قد تؤديان للحد منهما، خاصة وأن الجميع يساهم ويشترك كل على قدر إمكاناته ومستواه الثقافي في كل كافة الأفعال الايجابية والسلبية للانتفاضة، هذه ليست فقط نزعات بل هي أمراض منتشرة بين أفراد المجتمعات القبلية والبدوية والمجتمعات الانتقالية "المشوهة ثقافياً" ولا تخلو جماعة سياسية في اليمن من الأمراض وهي أدت إلى كثير الانزلاقات السياسية سواء في الجنوب أثناء حكم الحزب الواحد أو في الشمال أثناء حكم الفرد المطلق.
خامساً: نبذ العضوية أياً كانت قبائلية أو بدوية أو عشائرية أو جهوية أو طائفية أو حزبية، حيث أن الانتفاضة رحبت بكل الطيف الاجتماعي والسياسي والجهوي والمذهبي وصهرته في معمل شعار الانتفاضة "الشعب يريد إسقاط النظام" مما شكل تحالفاً عفوياً في الساحات تمخضت عنها شعارات فرعية خدمت العملية السياسية القادمة ولكن للأسف وبعد الصفقة أو التسوية السياسية الرخيصة بين بعض قادة اللقاء المشترك والسعوديين الحكام بدأت مؤشرات العصبوية تطل بقرونها وبصورة مخيفة عبر التفكير الثكني الحزبي لفرض رؤية حزبية ضيقة تهدف إلى خلق مولاة للتسوية تحت شعار من لا يكون معنا فليخرج من عندنا" وتقود العقلية الثكنية منتسبيها إلى نفق مظلم وطريق مسدود يهدم السلم والعيش والتعايش داخل ساحات الانتفاضة.
سادساً: صيانة حرية الرأي والتعبير والانتماء الفكري والعقائدي باعتبار ذلك من أعمال السيادة الإنسانية التي لا يمكن التنازل عنها أو إدخالها ضمن الصفقات السياسية ـ التجارية، فبدون حرية رأي وتعبير وإنتماء فكري وعقائدي، فإن الاستبداد في الرأي والفساد في العقيدة سوف يجران الجميع إلى بحر من "الحُلبَة" السياسية، ومن المهم أيضاً مغادرة دائرة التكفير والتخوين وإصدار الفتاوي "دينية كانت أو مدنية" لأن هذا السلوك لا يتيح للإنسان في هذه المنطقة الحلم بدولة قانونية تتجاوز كل هذه الثقافات البدائية والقبائلية.
عبدالرحيم محسن
تحصين الانتفاضة والمنظومة السياسية للدولة (2 3) 2206