لقد استطاع الغرب بما يمتلكه من إمكانيات تكنولوجية واقتصادية أن يوجه الصراع إلى خارج ملعبه ويحارب أعداءه بجيوش مصطنعة أو مستأجرة إن جاز التعبير، ففي أثناء الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي أدركت أمريكا بعد نهوضها من أزمتها وانتقالها إلى اقتصاد الخدمات والمعلومات أن العدو الأكبر الذي سيقف أمام نجاح مشروعها الجديد - ما كانت تطلق عليهم الدول المغلقة- فكل شيء ضمن هذه الدول هو ملك للدولة وهذا يتعارض مع نظامها الجديد الذي يسير على منطق كل شيء يخضع للسوق، فالصراع القائم هو صراع مصالح لم نكن نحن كعرب ومسلمين طرفاً فاعلاً في هذه القضية، لكننا أصبحنا فيما بعد جزءاً من القضية وطرفاً منفعل، فعندما زادت حدت التوترات بين الطرفين أدركت أمريكا أنه ليس في الصالح الدخول مع روسيا في حرب مباشرة، فبدأت بممارسة لعبة تفكيكية سياسية أحياناً وعسكرية أحيانا أخرى، ولكن بطريقة غير مباشرة.
فقد كانت أمريكا مدركة أن الصراع بين ما تطرحه الشيوعية وما يدين به المسلمون أكبر الأوراق التي يمكن اللعب عليها، عندها بدأت أمريكا بإنتاج ما يسمونه اليوم تنظيم القاعدة عن طريق معاهد خاصة، يشحن فيها الطلاب بعقيدة متطرفة ضد الشيوعية، استعداداً لمعركة قادمة ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، فهي في الأول والأخير تصفية حسابات وعن طريق امتلاكها التكنولوجيا المتقدمة آنذاك والإعلام استطاعت أن تخلق عدداً من الأحداث وتضخيمها لخلق الانفعال الكامل لصالح قضيتهم، عندها وجدنا صناديق التبرع تملأ الجوامع أينما ذهبت تبرعوا لإخوانكم في البوسنة والهرسك وأفغانستان.
وهنا بدأت لعبة التفكيك الأمريكية لمواجهة الاتحاد السوفيتي بأكثر من اتجاه، فقد تم إرسال المجاهدين إلى أفغانستان لمواجهة عدو من صنع أمريكا، بأموال من أموالنا ورجال من رجالنا ومكاسب لأمريكا وخسائر لنا حتى تم الانتصار على ما كنا نسميه (فوضى شيوعياً سخيف أبلدي)، لمن يذكر هذا الشعار.
واستكملت أمريكا حربها ضد الاتحاد السوفيتي وصولاً إلى قرار ميخائيل جربتشوف بتطبيق (البروستريكا) وبعد هذا الإعلان بدأت أمريكا تتخلى تدريجياً عن خدمات التنظيم الجديد لتقوم بتحويله من حليف إلى عدو حتى تستمر برفع ميزانيتها العسكرية ولن نخوض في تفاصيل أكثر، فهذا ليس هو الموضوع الرئيسي، بل الشاهد هنا حربنا قديماً مع (السخيف الأبلدي) عدو من صنع أمريكا، فهي دوماً من يصنع لنا الأعداء، فلسنا بحاجة لأن نتعب أنفسنا في ذلك.
واليوم نعيد الكرة مع تعديل في الخطة بعض الشيء حتى لا تكون مفضوحة تماماً، فهم يشعرون بأنه ليس هناك حاجة لجعل اللعبة أكثر ذكاء، فنحن لا نفكر إلى أبعد من أنوفنا، فهؤلاء لديهم "فوبيا" من اختطاف الدين.
هنا بدأوا بصنع العدو الجديد الشيعة وتضخيم مشاريعها حتى أصبحت أخطر من اسرائيل، فكلما يحتاجه المشروع عدداً من القنوات وعدد من تجار الدين نضع لهم عمائم سوداء وسب الصحابة هذا الحدث سوف يستثير هؤلاء العاطفيون عندها نبيعهم السلاح وندفعهم للمواجهة فليسوا بحاجة للدخول في حرب مباشرة مع إيران أو غيرها طالما هناك من سيقوم بالمهمة كما فعل بنا تماما مع الاتحاد السوفيتي وهذا الحدث يبدو انه سيعيد الكرة علينا مرة أخرى، إذ نلاحظ تفخيخ المنطقة العربية بمن يدعون أنهم الفرقة الناجية والتي تعدها أمريكا لمواجهة المد الشيعي.
إلى متى سنظل نشعر أننا وحدنا من يعيش على هذا الكواكب ويسير أموره، إلى متى سنظل دمى تحركنا قوى خفية لاتراها ثقافتنا المحدودة، علينا أن نفيق وننتبه لما يدور من حولنا فالإسلام دين الفطنة والحكمة وعيب علينا أن نجعله بهذه السذاجة وإذا كنا نشعر أن ما عندنا هو الصواب، فعلينا أن نتمكن من إقناع الآخر بذلك حتى نكون على الطريق الصحيح.
Shamsan29@yahoo.com
مجيب شمسان
أميركا وصناعة الأعداء 1763