ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذب × وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
أين هم مثقفينا منك أيها البردوني، هل نحتاج إلى مربد آخر لنرثيك كما رثيت أبا تمام وأين هم مثقفينا منك أيها الفضول لقد عشت هموم هذا الوطن حياً وميتاً، نقرأ ما كتبت وكأنك معنا نستلهم مما كتبت عزة وأنفة، نسمع دوي كلماتك يملأ الصدور، تعلمنا من قصائدك معنى حب الوطن معنى النضال، معنى الكبرياء في الحرف الصادق والقلم الحر، رحلت ورحلت معك الحروف الأبية والأقلام الرفيعة، فتزلفت الحروف وتخلت الأقلام عن غيرتها وباعت عرضها للحاكم بدراهم معدودة.
إن من أغرب ما وجدت في هذه الثورة أن بسطاء الناس وكثيراً منهم الأميون هم من ثاروا وغاروا، بينما مثقفوها ظلوا متفرجين يعلقون إما بنكت ساذجة أو بأكاذيب باهتة، يتشدقون بما يضرهم ولا ينفعهم وما قصدهم من ذلك إلا أن يرضى عنهم الخليفة أو طمعاً في منصب إذا ما أجادوا، فقالت ألسنتهم الكذب وباءوا بغضب على غضب, فكم يفسق الحرف إن ذلت كرامته لجارم آثم الوجدان مقترف.. صحيح أنه توجد بعض الأخطاء هنا وهناك، فمن قاموا بالثورة هم بشر وبشريتهم بأخطائهم وقد توجد الخلافات هنا وهناك هي ظاهرة صحية يستفيد منها الجميع والاستفادة من الأخطاء ليست عيباً، ولكن العيب أن تقف سلبيا, فإذا كنت صاحب رؤية، فعليك أن تدلي بها ليس لأجل أحد، ولكن من أجل الوطن.. قم ولو بأبسط دور كلف به الإنسان نشر الوعي الحقيقي بدل من التشدق والتنطع، فالوضع اليوم يفرض على الجميع تحمل المسؤولية لا ممارسة التملق والتزلف، عيشوا أناساً ولو مرة في حياتكم، خلدوا تاريخاً لأنفسكم يذكركم الناس به إن رحلتم، فما امتدح الدهر مادحاً، فالمثقفون الحقيقيون هم من لا يبالون بما سيسميهم الناس، بل بما يسميهم الدهر، فجهابذة قريش اتهموا الرسول بأنه ساحر كذاب ومات سيد المرسلين وعاش الغزالي كافراً ومات حجة الإسلام وابن رشد عاش ذليلاً ومات فيلسوف الشرق وكم هي الشخصيات العظيمة التي ما كنا نحس بفقدانها إلا بعد موتها، فهم عظماء في حياتهم وفجع الناس لموتهم وأما الأحياء الأموات، فلا فاجع لموتهم ولا ذكرى لحياتهم.
Shamsan29@yahoo.com
مجيب شمسان
كذب المتشدقون ولو صدفوا 1910