;
يحيى محمد الهمداني
يحيى محمد الهمداني

نظرية الحكم والسياسة بين السنة والشيعة ورجال الكنيسة 1874

2012-01-19 04:49:07


الرؤية لدى بعض الإسلاميين للحكم والسياسة تتصف بالغموض والضبابية، قد يكون من الأسباب التي أدت إلى هذه الضبابية وجود لبس وخلط في فهم الآيات التي ورد فيها لفظ (الحكم) في القران الكريم، حيث فهمت أنها تشير إلى نظرية الحكم والسياسة، معتمدين في هذا الفهم على ما ذكره المفكر الإسلامي سيد قطب - رحمة الله عليه- في تفسير هذه الآيات تحت مفهوم (الحاكمية لله)، فقد ذكر سيد قطب في تفسير قول الله عز وجل (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)، إن الحكم من خصائص الألوهية، فمن ادعى الحق فيها، فهو ينازع الله في ألوهيته.
(1)
 تفسير الظلال وهو خلط بين الحاكمية كمرجعية وتشريع وبين الحكم والسياسة كممارسة وتطبيق.. والفهم الذي أشير إليه يسوق للحكام ويعقد في قلبوهم أنهم ظلُ الله وسلطانه في أرضه ولهم حق التصرف في الملك والسلطان والثروة والإنسان دون حساب أو مساءلة من أحد، يمارسون الاستبداد والاستعباد والقتل في شعوبهم وأوطانهم بأبشع صوره، بل فاق ما تقوم به إسرائيل في فلسطين لمجرد أن الشعوب أرادت أن تسترد حقها المسلوب في اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله.
وللأسف يأتي من يشرعن للحكام هذا الإجرام باسم طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه، إن الصفة المميزة للتاريخ السياسي والوقت الحاضر لحكام المسلمين هو التقاتل على السلطة ولم يكن ذلك في مرضاة الله، بل الصراع على حطام الدنيا وقد مثل الحكام فيه القشرة العفنة.
(2)
(الاستبداد السياسي الغزالي) وهذا الفهم الذي جعل الحكام أرباباً من دون الله هو في حقيقة الأمر ارتماء في أحضان نظرية الحق الإلهي في الحكم (السلطة الدينية الثويقراطية) الذي مارسه رجال الدين المسيحي في أوروبا، فعاشت أوروبا بسببه في ضلال وظلام.
وهو ما قالت به الشيعة الأثنى عشرية التي نصت على أن الحكم والسياسة ركن من أركان الإسلام وأصل من أصول الشريعة ويعتقدون في أئمتهم العصمة والقداسة وأن الحكم منصوص عليهم وموقوف على الإمام علي - كرم الله وجهه- وذريته فقط، وهذا انحراف واستخفاف بالأمة والتفاف على حقها في السلطة، فهي صاحبة السلطة ومصدرها.
وهذا الفهم الملتبس قالت به الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام علي - كرم الله وجهه- واعترضوا على التحكيم، فقالوا حكم الرجال وما الحكم إلا لله، فقال لهم كلمة حق أريد بها باطل وهذا اضطراب في الفهم الذي لا ينسجم مع البصيرة الثاقبة لجمهور المفسرين والعلماء المجتهدين وما أجمع عليه الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين.
 وردت آيات في القرآن الكريم فيها لفظ الحكم قال الله تعالى:
1- (يأيها الذين امنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاؤه مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) المائدة 26.
2- ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) النساء 31.
3- (الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين أمنوا وعملوا الصالحات في جناة النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك لهم عذاب أليم).
ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآيات ومثيلاتها في القرآن الكريم تشير إلى القضاء والفصل في الخصومات والمنازعات ولا تشير إلى الحكم ومفرداته السياسية وقد أكد العلماء المجتهدون هذا المعنى، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: آيتان فقط في القرآن تشير إلى الحكم هما (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).. والثانية (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وما ذكره المفكر الإسلامي سيد قطب في تفسير الآيات الوارد فيها لفظ (الحكم)، فكلامه يشير إلى المرجعية النصية ولا يشير إلى الحكم وممارسة مفرداته السياسية، وهنا يكمن الخلط واللبس بين المرجعية النصية المتمثلة في القرآن والسنة الصحيحة وهي لله وبين الحكم وممارسة مفرداته السياسية وهي حق للأمة، فهي مصدر السلطة.
والحكم والسياسة جعلها علماء الأمة من فروع الشريعة وليس من الأصول، كما قالت بذلك الشيعة أي أن الحكم والسياسة تقوم على الرأي والاجتهاد والخطأ والصواب ولا تقوم على الإيمان أ والكفر.
يقول بن تيمية (661-728): إن مبادئ الحكم في الإسلام تراث إنساني ماعدا آيتين في القرآن ويقول تلميذه ابن القيم الجوزية: إن الشريعة مبناها على الحكم والعلل والسبب ومصالح العباد والسياسة ما كان من الأعمال، بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يشرعه الرسول أو نزل به وحي.
وهذا يؤكد أن نظام الحكم والسياسة في الإسلام نظام بشري مدني سكتت الشريعة عن تفصيلاته ومفرداته قصداً (وما كان ربك نسيا) حتى تراعي نمو الحياة وتجددها وتطورها والاستفادة من التجارب الإنسانية في هذا المجال.
يقول ابن خلدون: إن الإمامة والخلافة سلطة بشرية يقيمها الناس رعاية لمصالحهم العامة وهي مفوضة إلى نظر الأمة، وهذا يتفق مع مضمون الديمقراطية في الحكم التي تنص على أن الشعب يحكم نفسه بنفسه ولنفسه.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد