هذه الدولة القائمة تاريخياً على الطابع الطائفي أنجبت منظومة سياسية تعكس هذا الطابع وتمارس السلوك السياسي الاستعلائي ـ القسري والاقصائي وهو الذي قاد إلى هيمنة وتحكم المركز السياسي القبائلى المتخلف والمولد الدائم لكل المعضلات البسيطة والمركبة والتي خلقت بيئة ضرورية للانتفاضة الشعبية والتي تتجه نحو إنجاز وظيفتها مجسدة بإسقاط المنظومة السياسية الحالية واستبدالها بمنظومة خالية بداية ولو بنسبة "75%" من الأوبئة الضارة ومن ثم الانتقال برشد وثبات لتحقيق رغبة الشباب في التنمقراطية المعاصرة بروح وإبداعات الشباب بعيداً عن بيوت الإقطاع السياسي والسياسيين المحنطين والحداثيين المزيفين..
والانتفاضة المصوبة منذ انطلاقها في الجنوب سهامها إلى الاستبداد والفساد والفاشية الشمولية، استطاعت ـ وبعيداً عن معوقات مفاوضات الصفقة أو التسوية السياسية ـ أن تضرب وفي المفصل الرئيس المنظومة السياسية الماضوية وتصيب عناصرها بالرعب والجنون، مقيمة مصفوفة من المفاهيم الجديدة تنطوي على أبعاد سياسية تقترب رويداً رويداً من مبادئ الحرية والديمقراطية والتحولات في بنية الذهنية المحلية التي اتسمت عبر العقود بالجمود والعبودية والمفاهيم الخرافية والتحريم وهي مطالبة الآن ـ أي الانتفاضة ـ بتحقيق تحصين نفسها تحصيناً يصل إلى ما نسبته "95%"، لكي تتمكن من إنجاز وظائفها وأهدافها ومن ثم لكي تتمكن من تحصين المنظومة السياسية للدولة بصيغتها الجديدة القادمة.
وتحصين الانتفاضة من الضروري أن يتم على النحو الآتي:ـ
أولاً: إعادة الاعتبار للظاهرة الحزبية في الساحات وعموم المجتمع والشارع السياسي والنخبوي، بوصفها رائدة الحداثة وبوابة دولة القانون والمؤسسات وتحريرها من الطابع التقليدي ومن القيادات المحنطة والمهووسة بالاتجار بالقوى البشرية الحزبية وبترتيب الصفقات والتسويات السياسية الرخيصة مقابل مئات أو عشرات الآلاف من الريالات السعودية (كما حصل في التوقيع على المبادرة الخليجية في الرياض 100 ألف ريال لكل توقيع ثمن "جعالة" وما خفي كان أعظم).. والإنسان شأنه شأن الكيانات السياسية والمجتمعية يستطيع صناعة أحلامه وتطلعاته بدون أوجاع الاسترقاق، فالمرأة على سبيل المثال التي تعيش خارج العمل الذهني والعضلي ولا تحصل على أجر عادل يمكن أن تظل تعيش في عبودية مركبة ويفرض عليها الذكر ما يشاء ووقت ما يشاء.
وعليه فإن ساحات الانتفاضة الإسراع في الخروج من معاطف القيادات النمطية وإنشاء كيانات سياسية تنظيمية تحقق وجود كتلتين رئيسيتين، إحداهما لأحزاب وتنظيمات اليسار والأخرى لأحزاب وتنظيمات التيارات الدينية الموجودة على أرض الواقع بتسمياتها المعروفة مع الاعتناء بالتسميات المتحاشية للصبغة الدينية السافرة والتي ينبغي أن يكون لديها مشروع برنامجي يتسق تماماً مع معطيات ومتطلبات العصر الراهن والمستقبل، وعبر هذه الكتل يتم تكوين تحالفي للانتفاضة يمكن طرح مقترحي "الحركة الشعبية لتحرير اليمن" للمداولة أو أية تسميات أخرى من اختراع المبدعين في كل ساحة وهم كثر.. ولكي يكون كيان الانتفاضة متطابقاً مع متطلبات الواقع فإن عليه أن يكون فيدرالياً محضاً، أي أن تنشئ كل ساحة كائنها السياسي والتنظيمي وتضع له برنامجه المحلي وشعاراته بعيداً عن المركزية وثقافة الأوامر الفوقية والتعميمات القسرية.
ثانياً:ـ الابتعاد عن درب الاستحواذ بقدر كبير من الجدية والصدق، لأن الاستحواذ قيمة سيئة جداً وكلفت البشرية عبر التاريخ ضحايا وتضحيات عظيمة جداًَ ابتداءً من سحق المرأة تحت حوافر عبودية الذكورة ومروراً بعبودية الذكورة نفسها للاقطاع والرأسمالية الاستغلالية ووصولاً إلى عبودية العولمة المتوحشة وعبودية السلط الدكتارية والعبودية المختارة للمثقفين والعلماء والأكاديميين.. الاستحواذ الصغير يقود بالضرورة إلى الاستحواذ الكبير والمركب، فالذي يستحوذ بشكل مطلق أو كلي بواسطة القوة أو الاستقواء بحزبه السياسي أو بقبائليته داخل ساحات الانتفاضة يقدم خدمة مجانية لبقايا النظام، لأنه يخلق تنافساً سيئاً بين الأفراد وليس هذا فحسب بل يخلق أحقاداً حاولت الانتفاضة رميها ورائها.
ورائحة الاستحواذ على المنصة وعلى إدارة الأمن وإدارة الأموال والبروز من خلال التصريحات أوجدت حساسيات وتحفظات داخل الساحات وأدت إلى استخدام العنف ضد المعترضين أو المختلفين، والاستحواذ كآفة يحول دون النمو المتزايد للإبداع والمبدعين وحرية الرأي والتعبير والحقوق المتساوية.
عبدالرحيم محسن
الانتفاضة وتحصين المنظومة السياسية للدولة (1 3) 2090