تعجبتُ كثيراً لحال البعض من أبناء جلدتنا الذين رضوا بأن يعيشوا عيش الحجر، فبعض الناس تمر عليهم السنوات الطوال وهم يمشون على ذلك الروتين الذي تبرمجوا عليه منذ القدم (أكل وشرب ونوم) فلا عبادة ولا عمل ولا هم يحزنون (!)
يطنبق عليهم قول المولى تعالى (أولئك كالأنعام بل هم أضل)، فهم في إفلاس دائم، لا كسبوا الدنيا ولا الآخرة (!)
وما أجمل ما قاله الشاعر عن حال هؤلاء:
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجلِ
حدثوا عن سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال (إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول أله عمل، فإذا قالوا لا سقط من نظري(.
وفي قاموس السعادة نجد أن أكثر الناس عرضة للوساوس والأراجيف هم العاطلون المفلسون.
وفي المقابل هناك صنف من الناس رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، فهم على الأقل أفضل حال من الصنف الأول، يعملون ويأكلون ويشربون، وقد يمارسون طقوس العبادة، إلا أنهم مقتنعون بما هم عليهم، وإذا تكلمت معهم وقلت لهم لماذا لا تتطورون من مهاراتكم، وتوسعون من مدارككم، تجدهم يردون عليك بكل برودة ( ليس لدينا وقت كافي)، بينما تجد الكثير منهم يضيع معظم الوقت فيما لا يعود عليهم لا بالنفع ولا بالصلاح.
فكم من الوقت يضيع في أمور لا فائدة منها، ولا مبتغى؟! وكم من الساعات والليالي والأيام والأشهر والأعوام تضيع هباءاً منثورا؟! والأدهى من ذلك أنها قد تضيع في أعمال تعود بالوزر على صاحبها.
ولو تأملنا في هذه المسألة – الوقت – لوجدنا أنه بإمكاننا أن نعمل المستحيل، إذا استغلينا وقتنا الاستغلال الأمثل، فالطريق الذي طوله ميل يُقطع بخطوة، وبالدقيقة تعمل الكثير إذا ضبطت وقتك بطريقة منظمة.
لقد أثبتت الحقائق أن الإنسان بمقدوره إنجاز العديد من الأعمال في الدقيقة الواحدة.
فبدقيقة يمكنك أن تكتب في صفحة أعمالك، إذا عرفت كيف تستثمرها وتحافظ عليها، وبدقيقة يمكنك أن تقرأ وتسبح وتستغفر، وتزر، وتصل وتحفظ.
وفي دقيقة يمكنك أن تنمي موهبتك، وتجود ذاكرتك، وتعمق ثقافتك، وتوسع مداركك، وترتب غرفتك، وتنظم مكتبتك، وتنوع هواياتك.
وانظر إلى حال قدوتنا من الصالحين، فهذا سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ كان إذا حضره النعاس، وضع بجواره إناء من الماء البارد، ورش على وجهه، حتى لا يفوته قيام الليل، ولما سئل عن ذلك أجاب : إذا نمت في الليل أضعت نفسي، وإن نمت في النهار أضعت رعيتي (!)
أن النفس البشرية تعشق التغيير والتجديد دائماً، ولا ترضى بالخمول والجمود أبداً.
إن العالم يسير اليوم بوتيرة متسارعة نحو التجديد والتغيير، والناس يعيشون في تقلب دائم، والعامة تحب أصحاب الأفكار المتجددة، وأصحاب الأعمال والانشغالات، ويكرهون أصحاب العطالة والبطالة ويحبون الأشخاص الذين يقدمون لهم الخدمات.
شخصياً.. ومنذ التحاقي بشركة "السفر" مطلع العام 2005م، وجدت اختلافاً كبيراً بالنسبة لنظرة الناس إلي، سواء على المستوى الأسري، أو مستوى الأصدقاء والزملاء.
هذا بالإضافة إلى نظرة العملاء الذين كنت أقدم لهم الخدمات من خلال عملي كمسئول لخدمة المبيعات وتذاكر الحجز، لقد كان جوالي مكتظاً بالأسماء والأرقام لعملاء شباب وعجائز، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، موظفين وعاطلين، عرب وأجانب، مسئولين وعاديين، حتى تجاوز عدد الأسماء المسجلة على هاتفي المحمول الألف اسم.
ولما تركت العمل في الشركة، وجدت نسبة التواصل تنخفض شيئاً فشيئاً، ووجدت نظرة البعض تغيرت شيئاً فشيئاً، ولا غرابة فكل هؤلاء كانت تربطهم بي مصالح ومنافع، قد يجدونها مع أشخاص آخرين، والسائد في عالم المصلحة أن الأشخاص زائلون وأن الخدمة هي من يجب أن تبقى ولا غرابة. ولما أسست وجدت نظرة الناس المحيطين بي تتغير بشكل ملحوظ – على الرغم من أن – الفترة الفاصلة بين خروجي من شركة السفر، وفتحي للصحفية لم تتجاوز الأشهر، إلا أنها كانت بالنسبة لي بمثابة الدرس الذي تعلمتُ منه الكثير، لقد استطعت على الأقل التمييز بين الصديق الحقيقي، وبين أصدقاء المصالح، وما أجمل قول الشاعر:
وحين تعدهم ما أكثر الأخوان ولكنهم في النائباتِ قليلُ
أخيراً... لكل منا إسلوبه في الحياة ونظرته المختلفة لها، ولكن بإمكانك أن تصبح شخصاً يُذكر، ويُضرب به المثل، وما تأخر من بدأ، والغرض من كلامي هذا هو أن النظرة تختلف حول الشخص الذي يعمل والشخص الذي لا يعمل ولا غرابة.
موسى العيزقي
بإمكانك أن تكون..!! 2274