;
د. السيد مصطفى أبو الخير
د. السيد مصطفى أبو الخير

هل لرؤساء الدول حصانة ضد المحاكمة؟ 3298

2012-01-05 20:34:52


  ما إن اندلعت شرارة الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، حتى قابلها حكام هذه الدول بالاستخدام المفرط للقوة دون سند من القانون سواء الدولي أو الوطني، رغم أن كافة الدساتير في العالم ومنها دساتير الدول السابقة تؤكد على أن الشعب صاحب ومالك السيادة، لذلك يحق لشعوب هذه الدول سحب السيادة من الحكومات التي أصبحت حكومات احتلال بكل ما يحمل المصطلح من معانٍ، لذلك تكون لهذه الثورات أساس في الدساتير وفى القانون الدولي، طبقاً لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو مبدأ مستقر وعام من مبادئ القانون الدولي، لا يجوز مخالفتها ولا الاتفاق على مخالفتها من أي شخص من أشخاص القانون الدولي، وهذا المبدأ وارد في كافة مواثيق المنظمات الدولية العالمية والإقليمية وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة في المادتين الأولى الفقرة الثانية والمادة الخامسة والخمسين.
  وقد منحت التشريعات الوطنية لرؤساء الدول بعض الحصانات المرتبطة بعملهم حتى يتمكنوا من أداء واجبهم ومسئوليتهم على أكمل وجه، ولكن هذه الحصانة لا تمتد ولا تنطبق على حالات الثورات العربية، لأن هذه الثورات استخدام لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولحقها الدستوري، لذلك لا يجوز استخدام القوة ضدها، لأنه يشكل جريمة إبادة جماعية وجرائم ضد البشرية طبقاً للقانون الدولي الجنائي، وقد انتهى عهد تقديس الحكام ووضعهم فوق القانون، فالكل الآن أصبح يخضع للقانون والمسائلة القانونية، وقد اتفق الفقه الدولي والقضاء الدولي على ذلك.. وأكدت ذلك العديد من الاتفاقيات الدولية منها ما صدر عن المعهد الدولي لحقوق الإنسان في مؤتمره المنعقد في همبورغ عام 1891م، ومؤتمره المنعقد في اكس أون بروفانس لعام 1954م، ومؤتمره المنعقد في بال عام 1991م، وقد اتفقوا على أنه لا يتمتع رئيس الدولة، وإن كان يمارس مهامه الرئاسية، وقت حصول المحاكمة أو عند صدور الحكم الجنائي بحقه، بأي حصانة جنائية في وجه المحاكم الجنائية الدولية، وقد نصت المادة (7) من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ على «أن المركز الرسمي للمتهمين سواء بصفة رؤساء دول أم بصفة موظفين كبار لن يؤخذ بعين الاعتبار كعذر أو كسبب مخفف للعقوبة».. وأيضاً قرار مؤتمر المعهد الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المنعقد في العام 2001 في فانكوفير, فالمادة (11) منه تفيد بأن هذه الحصانة لا يصلح الدفع بها، ولا يمكن في الموجبات المستقاة من ميثاق الأمم المتحدة والموجبات المنصوص عليها في المحاكم الجزائية الدولية الخاصة والمحكمة الجزائية الدولية الدائمة.
 وتضيف المادة ذاتها بأن حصانة الرئيس الجنائية لا تحميه من المحاكمة أمام المحاكم الجنائية الدولية ولا يمكن الدفع بها في وجه اختصاص هذه المحاكم على أنواعها، كما لا يمكن الدفع بها لمنع تطبيق القواعد والأصول المتعلقة بمحاكمة الجرائم الدولية، أي الجرائم التي تحمل اعتداءً على الأمن والسلم الدوليين.
   كما نصت معاهدة فرساي الموقعة في العام 1919م على أن حصانة رؤساء الدول ليست حصانة مطلقة، وهي تسقط إذا ما وجّهت إلى الرئيس القائم بوظائفه تهماً بارتكاب جرائم دولية.
 وقد نصت على ذلك المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، ودرجت المحاكم الجنائية الدولية في كل من يوغسلافيا وراوند على تقرير هذا المبدأ في النظام الأساسي لكل منها، فقد نصت المادة (28) من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا عام 1993م على أنه «لا يعفي المنصب الرسمي للمتهم سواءً أكان رئيس دولة أم حكومة أم مسؤولاً حكومياً، هذا الشخص من المسؤولية الجنائية أو يخفف من العقوبة»، وتمت محاكمة الرئيس اليوغسلافي السابق، والذي توفي لاحقاً في السجن، أمام هذه المحكمة، كما أكدت محكمة راوندا لعام 1994م المبدأ ذاته في المادة (27) من نظامها الأساسي. 
  بقيام المحكمة الجنائية الدولية استقر في القانون الدولي الجنائي مبدأ عدم الاعتداد بالحصانة في الجرائم الدولية, فقد نصت المادة (27) من نظامها الأساسي على انه(1ـ يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء أكان رئيساً لدولة أم حكومة أم عضواً في حكومة أم برلمان أم ممثلاً منتخباً أم موظفاً حكومياً، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي, كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سبباً لتخفيف العقوبة. 2ـ لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء أكانت في إطار القوانين الوطنية أم الدولية دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص).
   أما عن المحاكم المختصة بمحاكمة رؤساء الدول، فالقضاء الوطني هو الأساس طبقاً لمبدأ التكامل الوارد في ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والمادة الأولى منه، ولا يأتي دور القضاء الدولي إلا في حالتين: الأولى رفض القضاء الوطني المحاكمة، والثانية في حالة انهيار النظام القضائي في الدولة؛ بحيث لا يتمكن القضاء من ممارسة عمله، ولكن ذلك لا يمنع من تطبيق الاتفاقيات الدولية التي جرمت هذه الأفعال أمام القضاء الوطني، خاصة وأن الدستور المصري نص في المادة (151) منه على "أن الاتفاقيات الدولية بعد التصديق عليها وموافقة مجلس الشعب عليها تصبح بمثابة قانون وطني".
  ويمكن محاكمة حكام دول الثورات العربية أمام المحاكم الدولية بأنواعها الثلاث، وهى: المحكمة الجنائية الدولية بالتصديق على نظامها الأساسي، أو أمام محاكم جنائية دولية خاصة يشكلها مجلس الأمن كما في رواندا ويوغسلافيا، أو أمام محاكم جنائية ذات طابع دولي، تتكون من قضاة الدولة بالإضافة إلى قضاة دوليين، مثل محاكمة قتلة الحريري بلبنان.
   على ذلك يمكن محاكمة رؤساء دول مصر وتونس واليمن على الجرائم التي ارتكبوها بحق شعوبهم سواء القتل أو الفساد المالي والسياسي طبقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2005م، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لعام 2000م، أمام القضاء الوطني أو القضاء الدولي الجنائي.
 لذلك فإن الاتفاقيات التي تنص على حصانة رئيس تعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً ولا يجوز الأخذ بها؛ لأنها تخالف قاعدة من قواعد القانون الدولي، ولذلك فهي في حكم القانون الدولي منعدمة؛ أي لا يترتب عليها القانون الدولي أي آثار قانونية ولا حجة لها أمام القضاء الدولي والقضاء الوطني..
لذلك ما يشترطه الرئيس اليمني باطل ومنعدم ولا حجة له، وكذلك ما تفعله الولايات المتحدة من عقد اتفاقيات تنص على حصانة جنودها تأخذ نفس حكم العدم والبطلان المطلق.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد